كاتي غلوك خدمة «نيويورك تايمز»
على مدار العقود الثلاثة الماضية، اختار الأميركيون رؤساء شعروا بآلامهم وعبَّروا عن غضبهم، وحطموا الحواجز التاريخية، أو بدوا بوجه عام قريبين من أبناء الشعب.
ومع ذلك، فإنه إذا كان الناخبون غالباً ما يختارون الزعماء الذين يعكسون صورهم ونضالاتهم، فإن مسعى الرئيس جو بايدن للفوز بفترة رئاسية ثانية، والتي سينجزها وهو في الـ86 من عمره، يثير مشاعر معقدة على نحو استثنائي بين فئة نشطة من الناخبين: نظرائه من أبناء جيله.
وبعد 3 سنوات من دفع الناخبين الأكبر سناً لبايدن للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي له في الانتخابات الرئاسية، وإبدائهم دعمهم لخبرته العميقة؛ تبدو اليوم سن بايدن أكبر نقطة ضعف سياسية، مع استعداده لخوض سباق انتخابي جديد.
وكثيراً ما يمثل سن بايدن مصدراً للسخرية، وأحياناً معلومات مضللة على اليمين -على الرغم من أن دونالد ترمب، المتهم حالياً والذي يتصدر قائمة المرشحين الجمهوريين لخوض الانتخابات القادمة، لا يصغره سوى بسنوات قليلة- ويعد أحد مصادر القلق واسع النطاق بين الديمقراطيين.
ومع ذلك، تبدو القضية ذات طابع شخصي خاص أمام الناخبين الأكبر سناً الذين يميلون لتقبل بايدن؛ لكن غالباً ما ينظرون إلى سنه من منظور تجاربهم، فهم يتقدمون في العمر وهو أيضاً؛ لكنهم لا يتولون منصب رئيس الولايات المتحدة.
وخلال مقابلات مع قرابة ثلاثين من الناخبين والخبراء السياسيين والشخصيات الأميركية البارزة، والذين تتراوح أعمارهم بين 67 و98 عاماً، أثارت مسألة عمر بايدن ليس تحليلاً انتخابياً فحسب، وإنما كذلك مناقشات واسعة النطاق حول قدراتهم وتكيفهم مع الحياة. وقد صارع بعضهم بضراوة في مواجهة أسئلة حول الموت، بينما تقمص بعضهم دور الأجداد، وحثوا الرئيس على ضرورة الاعتناء بنفسه.
من بين هؤلاء، ديان فولي، رئيسة «نادي القرى الديمقراطية» في فلوريدا، التي تحث بايدن على الترشح للرئاسة من جديد، وقالت: «أبلغ من العمر 72 عاماً، وينظرون إليَّ باعتباري صغيرة السن. ويتميز الناس هنا بقدر مذهل من النشاط والطاقة، على الرغم من أنهم في الثمانينات؛ بل وبعضهم في التسعينات».
في المقابل، نصحت الدكتورة روث ويزيمر (94 عاماً) بأن: «على المرء أن يعي حدوده». وتعكف ويزيمر في الوقت الراهن على مشروع عن العلاقات بين الأجداد والأحفاد؛ لكنها تفضل المشاركة في الاجتماعات من المنزل. وقالت: «أرى أن على الرئيس الترشح مرة أخرى؛ لكن ينبغي له تجنب الجري عند صعود منصة ما، كي لا يسقط».
أما النائب السابق تشارلز رينجيل، من نيويورك، والبالغ 92 عاماً، فقد أبدى روح دعابة سوداء تجاه مستقبله، وقال: «في سني هذا، لا أشتري ثمار موز خضراء اللون». ومع ذلك، قال إنه يدعم ترشح بايدن لفترة رئاسية ثانية؛ لكنه أكد في الوقت ذاته أنه يرغب في رؤية جيل جديد من القيادات بالبلاد. وخلال مقابلة معه، قال: «ربما يراودني هذا الشعور القوي؛ لأنني سأرحل قريباً نسبياً، وأود رؤية ما الذي سيحدث لاحقاً. أؤمن بصدق أنه ينبغي أن يتوفر أمامنا مزيد من المرشحين، أكثر من مجرد رجلين عجوزين من أصحاب البشرة البيضاء».
من جانبها، تنوي قيادات الحزب الديمقراطي دعم ترشح بايدن لفترة رئاسية ثانية، وبينما كشف استطلاع رأي أجرته وكالة «أسوشييتد برس» منذ وقت قريب، أن كثيراً من الناخبين الديمقراطيين ينظرون إليه على نحو إيجابي، فإن القلق يخالجهم إزاء سنه.
وتوصلت استطلاعات أخرى إلى أن الناخبين الديمقراطيين الأكبر سناً، أكثر احتمالاً لتأييد ترشح بايدن لفترة رئاسية ثانية عن الديمقراطيين الأصغر سناً، على الرغم من أن نحو ما بين 30 و50 في المائة من الديمقراطيين ممن تتجاوز أعمارهم 60 عاماً، يفضلون اكتفاء بايدن بفترة رئاسية واحدة.
في هذا الصدد، قال جيمس كارفيل (78 عاماً) الخبير الاستراتيجي الديمقراطي: «لا يمكنني الظهور على شاشات التلفزيون والقول بأن: (دعونا لا نتحدث عن هذا الأمر، ودعونا نتمسك بالقضايا الحقيقية)؛ لأن الناس يرون أن السن قضية حقيقية».
في الواقع، تشغل مسألة السن كثيرين ممن تجمعوا داخل أحد المراكز الاجتماعية بمنطقة بلانتيشن في فلوريدا.
من بين هؤلاء دورين دبليو. البالغة 78 عاماً، والمؤيدة للحزب الديمقراطي، والتي أعربت عن أملها في ترشح بايدن لفترة رئاسة ثانية؛ لكن القلق يساورها إزاء قدرته على الاضطلاع بمهام منصبه. وقد رفضت دورين الكشف عن اسمها الأخير، مبررة ذلك بخوفها من التسبب في مشكلات لزوجها في عمله.
وأضافت: «أعي تماماً كيف أن الأمر مرهق لي، مع أنني لا أفعل شيئاً سوى التقاعد. أنا مدركة تماماً لسنِّه وأشعر بالقلق حيال ذلك».
وعندما لفتنا نظرها إلى أن بايدن لا يبلغ 78 عاماً، مثلما تظن، وإنما 80 عاماً، ردت بقولها: «يا إلهي!».
وأضافت: «أتمنى لو كان بالإمكان إبقاؤه في عمر الـ80، وعلى الدرجة نفسها من النشاط».
من جهتها، قالت جاك دوسر (67 عاماً) إن الطريقة التي يمشي بها بايدن تذكِّرها بزوجها الراحل الذي كان يعاني الخرف.
وأضافت دوسر التي صوتت لصالح ترمب عام 2016 وأيدت بايدن عام 2020، وتميل لدعمه مجدداً حال ترشح ترمب أو حاكم فلوريدا رون ديسانتيس أمامه: «يبدو وكأنه على وشك السقوط».
جدير بالذكر أن طبيب بايدن ذكر في وقت قريب أنه «رجل في الثمانين بصحة جيدة ونشط»، وقادر على الاضطلاع بمهام منصبه.
يذكر أن بايدن يمارس الرياضة 5 أيام على الأقل أسبوعياً، ولا يتناول كحوليات، ولا يدخن السجائر.
عن ذلك، قالت بيغي غروف (80 عاماً) نائبة رئيس الحزب الديمقراطي في بنسلفانيا: «لا أعرف إن كنت أستطيع الوقوف على قدمي والذهاب لأوكرانيا وركوب قطار لمدة 10 ساعات».
ومع ذلك، جاء أداء بايدن خلال ظهوره العام متفاوتاً. وقد أدلى بالفعل ببعض التصريحات الخاطئة على نحو فادح. كما مر بلحظات محرجة، مثل التعثر على درج الطائرة أو السقوط من على دراجة، الأمر الذي لفت الأنظار.
عن ذلك، قال السيناتور السابق جود غريغ، من نيو هامبشير، البالغ 76 عاماً والذي يصف نفسه بأنه جمهوري غير مؤيد لترمب: «استمتعت بالعمل معه. والآن أراقبه عن بعد، ولا يسعني سوى الشعور بالقلق. لقد فقد بعضاً من قوته».
وأعرب كثير من الناخبين عن أن المرشح الذي سيخوض مع بايدن الانتخابات نائباً له يتسم بأهمية كبيرة لهم. كما أعرب كثير من الديمقراطيين بعيداً عن العلن عن قلقهم بخصوص نائبة الرئيس كامالا هاريس.
وعلى الرغم من أن الأمور المتعلقة بالصحة من المتعذر التنبؤ بها، يرى بعض الخبراء المتقدمين في العمر أن هناك مؤشرات عديدة على أن بايدن يتمتع بصحة فائقة بالنسبة لسنه، والذي يصفه البعض بـ«عجوز سوبر».
في هذا الصدد، قال الدكتور جون دبليو. رو، الرئيس السابق للجمعية الدولية لطب الشيخوخة، وأستاذ السياسات الصحية والشيخوخة بجامعة كولومبيا، إن «العجوز السوبر» نمط من كبار السن يميلون لعيش فترة أكبر من دون إعاقة وظيفية.
وأضاف أن التقدم في العمر يمكن أن يحمل معه مزايا غير متوقعة، فالأشخاص الأكبر سناً غالباً ما يكونون أفضل في تسوية النزاعات، و«احتمالات إقدامهم على تصرف متهور أقل».