حياة ربع مليون شخص مهددة بالمخاطر في أحدث معركة للسيطرة على اليمن

1

 

سايمون هندرسون

كثيرةٌ هي المهام التي يتولى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إنجازها في آن واحد. فليس فقط أنه يعمل بجد لمتابعة القمة التي انعقدت في سنغافورة بين الرئيس ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، لكنه مهتم أيضاً بمسألة الحُديدة.

ما هي الحديدة؟

في غضون أيام قليلة، قد نصبح جميعاً أصحاب خبرة نسبية في تلك المدينة الساحلية المطلة على البحر الأحمر، بعد أن كنا ربما قد غفلنا عنها حتى الآن. فالوضع هناك معقّد، ولكن يمكن وصفه على النحو التالي (مع الاعتذار إلى الكاتبة الراحلة إيفلين وو مؤلفة الرواية الصحفية الملحمية “سكوب”Scoop ): القوات اليمنية الموالية للحكومة، التي يدعمها التحالف السعودي-الإماراتي، تشّن هجوماً على المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، الذين يسيطرون على الحديدة، المدينة التي تشكل الطريق الوحيد لوصول المساعدات الغذائية والإنسانية الأخرى إلى 20 مليون يمني يعيشون في الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون، من بينها العاصمة صنعاء.

(إن الاقتباس الأدبي عن رواية “سكوب” مبرر مرّتين: فأحداث الرواية تجري في أثيوبيا خلال ثلاثينات القرن العشرين، على الجانب الآخر من البحر الأحمر مباشرة في مواجهة الحديدة، وبطل الرواية هو مراسل في مجال البستنة تم تكليفه بالمهمة بشكل خاطئ، ويُرسَل لتغطية أحداث حرب أهلية محيّرة تجري بتدخّل خارجي – أي في الواقع، الغزو الإيطالي لما كان يعرف آنذاك بالحبشة).

وفي هذا السياق، صرّح الوزير بومبيو مؤخراً في بيان صحفي له: ” تتابع الولايات المتحدة التطورت في الحديدة باليمن عن كثب. وقد تحدثتُ مع القادة الإماراتيين وأوضحتُ رغبتنا في مراعاة هواجسهم الأمنية مع الحفاظ على التدفق الحر للمساعدات الإنسانية والواردات التجارية المنقذة للحياة. ونتوقع من جميع الأطراف أن تفي بالتزاماتها من خلال العمل مع مكتب الأمم المتحدة للمبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن حول هذه القضية وكذلك دعم العملية السياسية لحل هذه النزاع وضمان وصول المساعدات الإنسانية للشعب اليمني فضلا عن رسم خارطة سياسية مستقرة لليمن في المستقبل.”

ويبدو هذا الكلام أشبه بالحديث الدبلوماسي الاسترضائي لأن:

واشنطن قلقة للغاية.
قادة الإمارات العربية المتحدة يتخذون وجهة نظر مختلفة.
الكارثة الإنسانية تكاد تكون حتمية؛
لا أحد يصغي إلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة؛
جميع الجهود التي نبذلها لحل المشكلة تُضرب عرض الحائط؛
ويبدو أن الإماراتيين، وليس السعوديين، هم الذين يقودون الهجوم، ويقدّمون المشورة للقوات اليمنية المتقدمة ويوفرون لها الدعم اللوجستي الضروري. ووفقاً لـ “هيئة الإذاعة البريطانية” (الـ “بي بي سي”)، بدأت تلك القوات بمهاجمة المدينة في وقت مبكر من يوم الأربعاء، عندما تجاهلت القوات التي تدعمها إيران المهلة النهائية التي أعطيت لها بالانسحاب بحلول منتصف الليل. ويوم الثلاثاء أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن القوات العسكرية الأمريكية تزود القوات اليمنية المتقدمة “بمعلومات استخبارية من أجل ضبط قائمة أهدافها المستهدفة بالغارات الجوية…”. وأفاد أحد المسؤولين في الجيش الأمريكي بأن “الهدف هو تقليل عدد الإصابات في صفوف المدنيين وتقليص الضرر اللاحق بالبنية التحتية الأساسية”.

فما هو حجم الكارثة الممكن وقوعها؟ نقلت صحيفة “الغارديان” اللندنية عن مسؤولين في الأمم المتحدة قولهم إنّه “في أسوأ الحالات… سيُقتل ما يقرب من 250 ألف مدني نتيجة الهجوم”. ووفقاً لمصادر مختلفة أن 300 ألف آخرين أو أكثر سيُرغمون على الفرار.

ومن الواضح أن لندن تأخذ زمام المبادرة في هذه القضية. فقد أبلغت الحكومة البريطانية وكالات الإغاثة إنها بذلت “كل ما في وسعها عبر القنوات الدبلوماسية للثّني عن شنّ الهجوم” ولكن دون جدوى.

ويتجلى حجم المخاوف والاستياء البريطاني في الأخبار السابقة التي تحدثت عنها رئيسة الوزراء تيريزا ماي هاتفياً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 2 حزيران/يونيو. وفي وقت لاحق، قال متحدث رسمي إنّ “رئيسة الوزراء وولي العهد قد اتفقا على أنه في نهاية المطاف لا يمكن حل الوضع المزري في اليمن إلا من خلال حل سياسي، ورحّبا بالجهود التي يبذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث. كما ناقشا الوضع الإنساني وأجمعا على ضرورة بذل كل ما في وسعهما للتخفيف من معاناة اليمنيين”.

وإذا كان الأمير محمد بن سلمان قد وافق على هذا الكلام، فيبدو أنه غير رأيه منذ ذلك الحين، وربما بعد حديثه مع نظيره الإماراتي الأمير محمد بن زايد خلال الجلسة الافتتاحية لمجلس التنسيق السعودي-الإماراتي في الأسبوع الماضي.

وقد أدت المخاوف الرسمية بشأن مجريات الأحداث في الحديدة إلى زيادة القلق عبر المحيط الأطلسي من لندن إلى واشنطن، حيث قام تسعة أعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي – من الحزبين الجمهوري والديمقراطي – بالتوقيع على رسالة إلى الوزير بومبيو ووزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس يدقّون فيها على “ناقوس الخطر” بشأن الهجوم على الميناء ويصفون الأزمة الإنسانية التي تهدد السكان كـ “عواقب غير مقبولة”.

واليوم، فإنّ التهديدات الصادرة عن الحزبَين في الكونغرس الأمريكي بقطع المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة إلى التحالف السعودي-الإماراتي بسبب المخاوف الإنسانية ستكون محط اختبار، على الرغم من أن موضوع الحديدة سيتم تداوله على الأرجح في الصحفات الداخلية كون القمة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية تتصدر العناوين الرئيسية في الوقت الحالي.

التعليقات معطلة.