خطوة كبيرة خطتها أنقرة باتجاه القاهرة: أوامر تصدر لمحطات التلفزة المحسوبة على المعارضة و»إخوان مصر» بالتوقف عن استهداف النظام المصري وشن أقذع الحملات الإعلامية على السياسة وصناع القرار المصريين … ثمة أنباء أخرى، لم يجرِ تأكيدها من مصادر مستقلة بعد، بأن عمليات توقيف و»إقامة جبرية»، وربما إنذارات بالترحيل، قد صدرت بحق قادة إخوانيين ومعارضين … يبدو أن تركيا، لم تعد «ساحة» مفتوحة، يتمتع فيها المعارضون المصريون بأوسع هوامش حرية الحركة.
قبلها، كانت معلومات تحدثت عن توجه تركي، لتقليص «حرية حركة» قادة حماس، في بلاد «آخر الخلافة» وعاصمتها، بعد تلقيها تقارير من واشنطن وتل أبيب، بأن عمليات تستهدف إسرائيليين في الضفة الغربية، يجري إقرارها والتخطيط لها من إسطنبول، ومع تنامي اهتمام تركيا بتنشيط علاقاتها مع إسرائيل، واسترضاء الإدارة الأمريكية، السابقة والحالية، و»ترطيب الأجواء» مع الاتحاد الأوروبي.
والحقيقة أنه لا يمكن النظر للخطوة التركية بإسكات «الإعلام المصري المعارض» إلا بوصفها «فتحة عداد» لخطوات لاحقة، ربما تؤخذ تباعاً، على وقع التقدم والانفراج المرجحين في العلاقات المصرية – التركية … استبعد أن يصل الأمر، حد تسليم معارضين للنظام المصري، وإن كان من الحكمة، عدم اسقاط سيناريو كهذا، فقد سبق لأنقرة أن فعلتها في مرات سابقة، مع أنظمة أخرى.
في العلاقات بين الدول، لا قيمة للأخلاق والمبادئ، المصالح أولاً والمصالح أخيراً، فلا ثابت غيرها … ومن يظن أن «صلات القربى» الفكرية أو الإيديولوجية، يمكن أن تنجي بعض المعارضات، من «جبروت المصالح»، فهو مخطئ تماماً … في التاريخ المعاصر، ضحى الاتحاد السوفياتي (الصديق الصدوق)، بالحزب الشيوعي المصري، قرباناً لعلاقته مع جمال عبد الناصر، وضحى صدام حسين بالمعارضة الإيرانية (وبالخميني نفسه) بعد توقيع اتفاق الجزائر مع شاه إيران.
أما في «التاريخ الجاري»، فيجدر استحضار تجربة قناة «الجزيرة» و»أخواتها» من وسائل إعلام مرئية ومسموعة ومقروءة والكترونية، وكيف احتلت صدارة قائمة الـ»13 شرطاً» التي أشهرتها دول الرباعي العربي في وجه قطر، وكشرط مسبق لاستعادة العلاقة معها، ورفع الحصار المضروب عليها، فضلاً بالطبع، عن قائمة من «المعارضين» لبعض دول الرباعي المقيمين في الدوحة، وصادف ان معظمهم من «الإخوان المسلمين» كذلك، كما في الحالة التركية.
قطر صمدت في مواجهة شروط الرباعي، لكن لا يمكن إنكار أن «تغييراً» طرأ على «السياسة التحريرية» لـ»الجزيرة» وبعض وسائط الإعلام، إن لم يكن حيال الدول الأربع، فحيال واحدة منها على وجه الخصوص: المملكة العربية السعودية، ولا ندري كيف سيؤثر الانفراج في علاقات قطر مع مصر، على وجود معارضين مصريين في الدوحة، وعلى «تغطيات» الإعلام القطري، أو المحسوب على قطر.
لا جديد في الأمر، مثل هذه التصرفات، تحدث دائماً، وفي كل مكان تقريباً، ولولا حفنة قليلة من الدول «الراسخة» في ديمقراطيتها، والتي تبدي استعداداً للمقامرة بمصالح عميقة لها، نظير الالتزام بمنظومات قيمية وأخلاقية، راسخة لديها، لقلنا أن ما من مأمن للمعارضات الخارجية، ولا لإعلامها في «لعبة الأمم».
المشكلة أن كثرة كاثرة من المعارضين العرب، لا يتعلمون من دروس التاريخ المعاصر والجاري، ويعيدون عن سبق الترصد والإصرار، إنتاج الأخطاء ذاتها، ويقعون في شر رهاناتهم الخاطئة … لدينا في سوريا والعراق واليمن وليبيا، خزّانا ضخما من المعطيات، عن معارضات ارتهنت للخارج، وذهبت «فرق عملة» عندما نضجت شروط إجراء «المقايضات» و»المساومات» بين الدول الراعية والممولة والحاضنة.
حين تصبح المعارضة والإعلام «فرق عملة»!عريب الرنتاويالاثنين 22 آذار / مارس 2021.
التعليقات معطلة.