حين يأبى الجرذ ولا يأبى المفسدون من سرقة 62 تريليون!

34

 

الجرذ بريء حتى تثبت إدانة الكروش… وأمام محكمة الضمير، من حقه رفع دعوى تشهير !

 

في البدء، نعتذر للجرذ. نرجو منه، إن كان يقرأ، أن يسامحنا على ما لحقه من إهانة وتشويه في قاموس الشتائم العراقي. فقد ثبت بالدليل القاطع، وبقوة، أنه بريء من نهم 62 تريليون دينار. الجرذ، كائن شريف، يأكل لحاجته، يسرق ما يسد رمقه، ثم يلوذ بالجحر حياءً لا استعلاء. لا يقيم المواكب، ولا يدّعي التدين، ولا يُخَمّس ويُزكّي من مال الحرام، ولا يبني حسينيات على أرصفة الفقراء من عظامهم!

بل ونذهب أبعد من ذلك: من حق الجرذ، إن شعر بالغبن، أن يوكّل محاميًا ويرفع دعوى تشهير ضد من ألصق به صفات ما أنزل الله بها من سلطان. فالتاريخ يجب أن ينصفه، والتقارير البيئية والسلوكية تشهد له بأنه لم يسبق له أن تسلل إلى خزينة دولة ونهش منها 62 تريليون دينار دفعة واحدة! ولو قُدّر له أن يستمع لكل هذا التشويه لسمعته، لربما رفع ذيله بحسرة وقال: “حتى أنا لي كرامة!”

أما أولئك الذين يملؤون الشاشات خطبًا، والدواوين فتاوى، والمناصب “جهادًا”، فهم من امتهنوا سرقة الدولة، وصادروا الوطن باسم العقيدة، وسوّقوا لأنفسهم كقديسين على حساب دم الفقراء.

62 تريليون دينار، أي ما يعادل مجموع ديون 10 دول أفريقية، طارت كحمامة بيضاء من خزينة العراق. طارت ولم يُرَ لها جناح، لا طارت برصاص، ولا طارت بحرب، بل طارت بـ”التوقيع الألكتروني”! ذلك التوقيع الذي، لو تمكّن الجرذ من استخدامه، لربما بنى مجرورًا ذهبياً وعاش ملكاً، لكنه لم يفعل، لأن الجرذ ببساطة لا يعرف طريق الوزارات، ولا يملك رتبة حزبية، ولا يُمنح صكوك الغفران من المرجعيات السياسية!

التحقيق؟ نعم، هنالك لجنة تحقيق… وهم الآن منشغلون بتحديد لون الجرذ الذي التهم التريليونات، وقد يستعينون بخبراء دوليين لفحص آثار الأسنان، مع تجاهل تام لآثار الكروش المنتفخة، والحسابات البنكية المتورمة، والقصور التي نبتت بين ليلة وضحاها في بلاد الثلج والشمس معًا.

أما المواطن، ذاك الكائن المنسي، فلا يملك إلا أن يدفع فاتورة الكهرباء حتى إن كانت مقطوعة، ويشتري الدواء حتى لو كان مغشوشًا، ويصفق للمواكب وهو يبيت جائعًا. بل إن بعضهم بلغ به الإيمان حدّ التبرع من راتبه لزعيم الحزب الذي سرقه، تقرّبًا إلى الله أو طمعًا بدرجة وظيفية في قافلة الغنيمة.

في العراق الجديد، اللص لا يختبئ، بل يُنتخب. والحرامي لا يُحاسب، بل يُحتفى به. والسارق لا يُسجن، بل يُرشح لرئاسة لجنة النزاهة.

أما الجرذ… فقد صار مثالًا للوفاء، لا ينهش من جلد وطنه، ولا يمسح فمه بخطب رنانة، ولا يستغل الدين ليغسل به المال المسروق. لا يطالب بجواز دبلوماسي، ولا يُؤسس كيانًا سياسيًا، ولا يُدلي بتصريحات نارية حول “الاستقامة والثبات على خط المقاومة”!

فأيّهم أشرف؟

 

الجواب واضح… ويكاد يُكتب على جدران الصرف الصحي بدموع وطن يُسرَق كل يوم، بينما لا يزال الجرذ يتلقى اللعنات .

التعليقات معطلة.