كلمات في رثاء فارس الرواية العربية الدكتور عبد الوهاب الأسواني..
ورحل صاحب شال من القطيفة الصفراء، رحل من حدثنا بأخبار الدراويش، وحلاوة كرم العنب، وحكايا النمل الأبيض، وامبراطورية حمدان.. ذلك الذي جاء من جنوب مصر من أسوان.. لينهل من النيل أعذب الصور وأرقى درجات البلاغة في رواياته وقصصه وكتاباته.. حتى لقب بفارس الرواية العربية.. إنه الروائي والأديب الكبير الدكتور عبدالوهاب الأسواني الذي رحل عن عالمنا ونحن لم نزل نعلن بداية العام الجديد، فأطفئت جذوة قلمه، وترجل عن جواده في الثالث من الشهر الحالي..
من منا لم يقرأ في طفولته سلسلة الكتابات التاريخية “تاريخ العرب والإسلام للفتيان والفتيات” التي خصها الأسواني للصحابة العظماء والقادة الإسلاميين الذين كان لهم الأثر الكبير في تاريخ الأمة الإسلامية وأحداثها.. بدءا من المؤذن بلال، وسيف الله المسلول خالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، والحسين بن علي.. ليكشف لنا من خلالها الأحداث التي رافقت ظهور هذا الخليفة أو ذاك الصحابي والمعارك التي شارك فيها ودوره البارز في إرساء معالم الدين الإسلامي وأصوله، وذلك عبر تقصيه للوقائع والأحداث التي رافقت خلافته أو توليه لقيادة المسلمين.
لقد تنوع نتاج الدكتور الأسواني ما بين الرواية والقصة والكتابة التاريخية، والسيناريو، وقد تجاوز تلك الحدود ليشكل علامة فارقة بين الموسوعيين التاريخيين، ولا عجب في ذلك، فهو المنتسب إلى المدرسة العقادية نسبة إلى معلمه وملهمه الأول عباس العقاد، فقد سار على نهجه في تقديم الأحداث والشخصيات التاريخية المثيرة للجدل أحيانا والصحابة والخلفاء والقادة الإسلاميين.
لعبت عوامل الشخصية والأسلوب والفكرة أدورا مهمة في جعله بوصلة للرواية العربية السهلة المليئة بالصور والمعاني الواقعية دون إسفاف أو إنقاص لقدر عقول القارئين، فتميز بالسلاسة في طرح الفكرة التاريخية والدقة في انتقاء اللفظ المناسب، دون تكلف يسرب الملل إلى القارئ، وقد قام بإدراج بعض الصور الملونة والتشكيلية البعيدة عن تجسيد الجسد البشري في كتاباته التاريخية.
لقد استطاع الأسواني أن يرسم خطا فريدا من نوعه طوال مسيرته المعطاءة التي امتدت قرابة النصف قرن من الزمان، وأن يترك في وجداننا بعدا عميقا لمجريات التاريخ وأحداثه، كما عشنا من خلال رواياته مع الشخصيات حتى سافرنا معها في مخيلتنا وهو حصاد لأسلوبه المبدع المقنع في سرد وعرض الحكاية وتقديم الشخصيات، فاستحق لقب فارس الرواية العربية.
حصل الأسواني على العديد من الجوائز التقديرية عن مجمل أعماله وإبداعاته، حتى وصلت إحدى عشرة جائزة تنوعت ما بين المصرية والعربية، كما كانت جائزة الدولة التقديرية عام 2011 في الآداب أهم تلك الجوائز.
يؤلمنا فراقه كثيرا، لكن مآثره باقية خالدة، ونأمل أن نرى أعمال الأسواني مترجمة إلى لغات أخرى، فهو لا يقل شأنا عن العلامات الأدبية العربية والقامات التي وصلت إلى العالمية أمثال نجيب محفوظ ويوسف السباعي وغيرهما. وداعا يا ابن الجنوب.. وداعا يا فارس الرواية العربية.
د. مسعود الحضرمي