حين يصبح الجهل ثقافة: أزمة العقل المعاصر

5

 

حين تضع الأمور على طاولة التقييم وتتبنى منهجية علمية قائمة على الحياد والموضوعية، تقترب من الحقيقة شيئًا فشيئًا. إلا أن هذا النهج، رغم أهميته، يُعد تحديًا في مجتمعات أضحت أسيرة للجهل والتخلف، حيث يصبح قول الحقيقة جريمة يُعاقب عليها، والجهل سلعة تُستهلك بشراهة.

الجهل كمنظومة مستدامة
الجهل في هذه المجتمعات ليس مجرد حالة طارئة، بل هو منظومة مستدامة تُغذى بوعي أو دون وعي. تتداخل فيه العوامل الثقافية، والسياسية، والاجتماعية لإنتاج أجيال تُسجن في قوالب فكرية جامدة تُعيقها عن التفكير الحر أو الإبداع.
التعليم القائم على التلقين: المناهج التي تعتمد على التلقين بدلاً من النقد تُكرس الجهل وتحبط العقل .
الإعلام الموجه: الوسائل الإعلامية التي تُضخم التفاهة وتُقصي الفكر الموضوعي تُسهم في تعزيز ثقافة الجهل.
القيود المجتمعية والدينية: تلك القيود التي تُصادر حرية التفكير باسم الأعراف أو الدين تجعل من الحقيقة عدواً، ومن صاحبها مُستهدفاً.
اندثار العقل وتراجع دور النخبة
مع استمرار هذه الديناميكيات، بدأت ظاهرة اندثار العقل، حيث تقلصت مساحة الحوار الموضوعي وأصبحت النخبة الفكرية، التي يفترض بها أن تقود المجتمع، تعاني من الإقصاء والتهميش.

عقاب التفكير الحر: المفكرون الذين يسعون لتقديم رؤية مختلفة أو نقد الواقع غالبًا ما يُستهدفون بالقمع أو التشويه .
هيمنة السطحية: في ظل ازدهار التفاهة، أصبح العقل النقدي غريبًا في مجتمع لا يرحب بالحقيقة.
ما الحل؟
رغم هذا الواقع المأساوي، تبقى هناك بصيص أمل لإعادة إحياء العقل والتفكير الحر:
1. إصلاح التعليم: التركيز على تعزيز التفكير النقدي والإبداعي بدلاً من التلقين.
2. تمكين الإعلام الحر: دعم وسائل الإعلام المستقلة التي تُعلي من شأن الحقيقة والتنوير.
3. تشجيع الحوار المفتوح: بناء بيئة مجتمعية تقبل الاختلاف وتحتفي بالتعددية الفكرية.
4. تحفيز الأفراد: تعزيز قيمة القراءة، والبحث، والفضول العلمي كأدوات لتحرير العقل .

الأوطان المأسورة بالجهل لن تتحرر إلا عندما يُعاد الاعتبار للعقل. لكن، في ظل ثقافة تُمجد الجهل وتُقصي الحقيقة، فإن هذه المعركة طويلة وشاقة. إلا أن الأمل يبقى معقودًا على كل من يرفض الاستسلام للواقع، ويؤمن بأن المعرفة هي السبيل الوحيد للحرية الحقيقية.

التعليقات معطلة.