خالد الجيوسي
في تَفسير قطع علاقات الأردن مع كوريا الشماليّة الذي أُعلن عنه رسميّاً، قيل أنه يأتي في سِياق توجيه رسائل للحليف الأمريكي، أن هذا البلد الصَّغير الضَّعيف اقتصاديّاً، يُقاطع من يُقاطعه حليفه “الكبير” الولايات المتحدة الأمريكيّة، علَّ وعسى تَخفْ الضُّغوطات التي تُمارس على المملكة الهاشميّة، والتي إلى الآن تَرفضْ قرار الرئيس دونالد ترامب، باعتبار القُدس عاصِمةً للكيان الغاصِب إسرائيل، وتتمّسك بالقدس الشرقيّة عاصِمةً لفِلسطين، (حتى الآن على الأقل).
بالتأكيد، أن قطع العلاقات الأردنيّة، لن يُؤثّر على الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، لأن ألبان وأجبان المملكة لن يُحرم منها الكوريون، كما أن المَنسف، تُعتبر “أكلة” ثَقيلة على مَعِدة المُواطن الكوري، وأصناف طعام مطابخهم خفيفة، مُشابهة نَوعاً ما للأكل الصيني، الذي لا يتسبّب في “الكروش”، هذا إن كانوا سمعوا أي الكوريين بالمَنسف من الأصل.
لا نعلم حقيقةً، إن كانت تلك الرِّسالة السياسيّة الأردنيّة الباهتة لأمريكا بِقَطع علاقاتها مع كوريا الشماليّة، ستُغيّر من لهجة التشدّد التي تستخدمها الإدراة الأمريكيّة مع المسؤولين الأردنيين، بخُصوص موقفهم من القدس، والتهديد بقَطع المُساعدات، وربّما إعادة “فتح السفارة الإسرائيليّة في العاصمة عمّان، بغض النظر عن نتائجها، والتعويضات التي دُفعت للحكومة لا أُسر “الشهداء”، ومدى “الانتصار التاريخي الدبلوماسي” الذي احتفل البعض به، لتكون نتيجته إعادة فَتح السَّفارة، وهي الرسالة (افتتاح السفارة) التي نعتقد أنها قد تُخفّف من “الغضب الأمريكي”.
الأردن، جرّب من قبل طريقة وضع بيضه في سلّة الحُلفاء، فمثلاً في أزمة قطر، وإن اعتبره البعض مُحايداً، وقف إلى جانب حليفته العربيّة السعوديّة، وأغلق مكتب قناة “الجزيرة”، وطلب من السفير القطري الرحيل، فماذا قدّمت له السعوديّة اليوم، غير التهميش والتهديد، وإجباره على خَوضْ معركة “رفع الأسعار” والاصطدام مع الشعب، و حتى مُواصلة إجباره على تقديم تنازلات في موضوع القُدس، ومُشاركته وصايته الهاشميّة، وحتى التفكير بانتزاعِها، ومُمارسة “الابتزاز الاقتصادي”، الذي أشار إليه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بشَكلٍ غير مُباشر، في لقاءٍ جمعه مع طلاب الجامعة الأردنيّة.
هذا الالتفاف السياسي “المُؤقّت” نحو إيران ومحورها، الذي “استبشر” به البعض، أملاً في أن تتغيّر تحالفات المملكة، لن يحصل، والسياسات الحاليّة لن تتغيّر، ولن تُستبدَل باعتقادنا أبداً، فالأُردن ورغم حالة الغَليان الشعبي، يُصر على رفع رايات “الاعتدال” للحليف الأمريكي، تحت عُنوان سياساته التي تقف ضد الديكتاتوريّة كما قيل في مَعرضْ شَرح قطع العلاقات مع كوريا، وهذا “الاعتدال” لن يُوصل البِلاد برأينا إلى بر الأمان، وسيعتبره الحُلفاء عرباً كانوا أم غرباً، تنازُلاً، وخَوفاً، ومُحاولة للالتفاف، عن فرض واقِع مرير، يكون التنازل فيه عن القُدس في النهاية أمراً حتميّاً، وهم يُدركون أي الحُلفاء الذين أصبحوا حقيقةً “أعداء” ذلك جيّداً.
كان على الأردن، بَدلَ أن يَقطعْ علاقاته مع كوريا الشماليّة، وزعيمها الشاب كيم جونع أون، أن يتعلّم منها “فن السياسة” الذي يُمارسه زعيمها “الديكتاتور”، وبلاد الأخير مُحاصرة، وتتعرّض لضُغوط سياسيّة، وعَسكريّة، لكنّها مضت في تجاربها النوويّة، وإطلاق صواريخها الباليستيّة، وضربت بتهديدات ترامب عرض الحائط، بل ودَفعته إلى القول أنه مُستعد للتفاوض، أمريكا هذه لا تفهم إلا لُغة القوّة، والإرادة، والتحدّي، وغير هذا كما يقول المثل: “بِلّه واشربْ مَيّته”!