بقلم: فاروق يوسف
هناك عرب كثر يقيمون في الولايات المتحدة منذ زمن طويل. إنهم أميركيو الثقافة والمزاج والتفكير والسلوك. عمليون وذرائعيون وطليعيون مثلما هي أميركا تماما. ولكنهم حين يتعلق بما يجب أن يقدموه لنا من معلومات فإنهم لا يقدمون إلا ما نحب سماعه. ألأنهم لا يرغبون في إزعاجنا بما يخدش طمأنينتنا السطحية والهشة والمبالغ في فكرها القديم أم أنهم يشترون رضانا المؤقت من خلال الضحك علينا باعتبارهم باعة قناعات زائفة؟
لا أعتقد أن أحدا من أولئك الخبراء كان يأمل في أن تكون المعلومة التي يقدمها نافعة لصناع القرار في العالم العربي. لذلك فإنه يتحاشى المرور بالمناطق الصعبة التي تسبب سوء الفهم مندفعا بكل ما يملك من قوة في اتجاه مناطق يسهل التعامل من خلالها غير أن ما ينتج عنها لن يكون حقيقيا على صعيد تمهيد الطرق لقيام حوار سليم بيننا وبين الولايات المتحدة.
ما لا نفهمه من الفكر السياسي الأميركي هو بمثابة حاجز يقف بيننا وبين فهم الآلية التي تمكننا من استيعاب ما الذي يجري في عالم السياسة اليوم. فمَن لا يفهم أميركا لا يمكنه الادعاء بأنه على صلة بالعصر بمفهومه السياسي.
ليست أميركا القطب الوحيد في العالم وهي قناعة انتجتها سنوات صعود الصين وروسيا ولكنها لا تزال الماكنة التي تنتج مفاهيم سياسية هي الأكثر صلاحية للاستعمال في الواقع بما ينسجم مع عصرنا.
أميركا هي القوة التي تصنع الواقع.
وهي قوة واقعية بالرغم من كل ما يخالطها من خيال تصويري مستلهم من أفلام هوليود. وهي ليست طيبة. ذلك لأنه ما من قوة طيبة. غير أن عدم استيعاب وفهم الغاز تلك القوة سيكون معناه الاستسلام لخرافة البعث الإيراني وهي خرافة تقدم العقيدة على الواقع بما يدفع الجميع إلى العمى.
كان علينا أن نجد طريقنا إلى فهم الخرافة الأميركية التي صنعت الجزء الأكبر من عصرنا قبل أن نلتفت إلى الخرافة الإيرانية التي تنتمي إلى عصر لن تكون استعادته ممكنة إلا في الكوابيس.
في ذلك الموقع لم يكن خبراؤنا منصفين.
ربما لم يكن هدفهم التضليل غير أنهم حرمونا من الوصول إلى الحقيقة.
فأميركا مثلا لا تخوض حربا عقائدية. كان جورج بوش الابن مجرد أحمق حين زل لسانه في الحديث عن حرب صليبية. لا وجود للصليب في الفكر الأميركي المعاصر وإن كثرت الكنائس التي لم يتم هدمها في جادات نيويورك فبدت كما لو انها منتجعات تذكر بالماضي.
ليست السياسة كل شيء في أميركا. وهو ما كان يجب أن نفهمه. الاميركيون أنفسهم يعتبرون السياسة وجههم القبيح. لقد نجحت أمم كثيرة في التعامل مع الوحش الأميركي من خلال الوصول إليه من بوابات لا تمت إلى السياسة بصلة.
لمَ لم يهدنا خبراؤنا إلى تلك البوابات؟
كان من الممكن أن نربح أشياء كثيرة من غير أن يفرض دونالد ترامب وهو رجل أعمال قبل أن يكون رئيسا، شروطه علينا. وحين قرر ترامب أن يذهب إلى الأبعد كان يخوض غمار مغامرة حرمنا خبراؤنا من معرفة أصولها.
اعتقد أن العرب أن يبحثوا عمَن يصدقهم لا عمَن يطمئنهم.
كراهية أميركا لا تنفع بالتأكيد. غير أن الغرام بها لم يكن قائما على أساس معرفي راسخ لذلك لم يملأ العرب مكانهم باعتبارهم عشاقا حقيقيين. كانت هناك دائما ثغرة من سوء الفهم سببها أننا لم نفهم أميركا كما هي لا كما نريد. وهو ما كان يمكن تخطيه لو أن خبراءنا من العرب المقيمين في أميركا أكثر حرصا على مهنيتهم بدلا من العواطف الزائفة التي أغرقونا بها.