لم يكتف الساسة في اليمن باستمرار الحرب التي أكلت الأخضر واليابس خلال 9 أعوام، لتضاعف الميليشيات الحوثية هذه الأعباء من خلال دخولها بالحرب في البحر الأحمر وتهديد الملاحة البحرية في المياه الإقليمية، بذريعة دعم غزة.
وبدأ المواطن اليمني يتلمس الآثار الاقتصادية المتتابعة لهذا التدخل الحوثي، في ظل تحذيرات من إطالة مدة التوتر في البحر الأحمر ستكون له تداعيات سلبية خطيرة على المستوى الاقتصادي في المنطقة، وخصوصاً في اليمن.
يذهب الأكاديمي والخبير الاقتصادي اليمني يوسف سعيد أحمد إلى أن الضربات التي شنتها الميليشيات الحوثية على السفن المتجهة إلى دول غربية عدة، تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد في اليمن، سواء المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً أو حكومة الأمر الواقع الحوثية المسيطرة على العاصمة صنعاء منذ 2015 – وتتسبب بالتالي في مضاعفة العبء الاقتصادي على المواطن اليمني.
تداعيات كبيرة
ويرى الخبير الاقتصادي اليمني محمد سعيد كمبش أن الصراع في البحر الأحمر سيزيد من متاعب اقتصاد في اليمن من ناحيتين لهما صلة بالقطاع الخارجي: “الأول ارتفاع تكلفة نولون النقل بالسفن، أو تكلفة الشحن نتيجة ارتفاع التأمين على السفن والبضاعة والحاويات، إذ يُتداول أنها قد ارتفعت نحو 40 في المئة. والآخر المساعدات الإنسانية المادية من سلع استهلاكية وغيرها التي ترد إلى اليمن من منظمات دولية”.
ويضيف كمبش: “الاقتصاد اليمني هش ويعتمد على الخارج بحدود 90 في المئة من الواردات، أي أنه يعتمد على قطاع العالم الخارجي، والريال اليمني خسر معظم قيمته أمام الدولار الأميركي مما يفاقم معاناة المواطنين”.
وأشار إلى أن النتائج الاقتصادية للصراع “لن تؤثر في أعضاء الحكومة الشرعية الموجود أغلبها خارج البلد، ولا في أعضاء ميليشيا الحوثي، بل ستنعكس على أسعار السلع الي يشتريها المواطن العادي، ويزداد فقراً وجوعاً”.
ويوضح الأكاديمي أحمد في سياق حديثه لـ”النهار العربي” أن تأثير تلك الضربات على الاقتصاد ذو شقين، مباشر وغير مباشر، فبمجرد سماع التجار بالضربات في البحر الأحمر وخليج عدن توقعوا دخول اليمن في وضع اقتصادي أسوأ، فبدأوا بمحاولة جمع أكبر قدر من العملات الصعبة الموجودة في اليمن عن طريق المضاربة التي أدت بشكل مباشر الى رفع أسعار الصرف وانخفاض العملة المحلية.
حسابات التجار
ويلفت مراقبون إلى أن ذهاب التجار الى تجميع أكبر قدر من العملات الأجنبية لم يكن لغرض الاستيراد وإنما بغية تخزين هذه النقود، مما يضاعف الوضع الاقتصادي ويزيد من صعوبته بشكل أكبر، إذ تختفي العملات الصعبة من السوق ويحتاج الموردون اليها، فيضطرون لشراء تلك العملات بأسعار مرتفعة تنعكس تماماً على السلع المستوردة، مما يتسبب بزيادة جديدة في أسعارها.
وخلال الأيام الماضية شهد الريال اليمني تراجعاً كبيراً أمام العملات الأخرى مسجلاً أدنى تعامل له منذ العام 2015، إذ وصل الى 1635 ريالاً للدولار الواحد في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، فيما يحافظ على سعره في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية إذ سجل أمس 530 ريالاً للدولار الواحد.
ويتابع أحمد: “الأثر المباشر على المستهلكين في اليمن يتحدد من خلال ارتفاع تأمينات الشحن الدولية، فمنظمات الشحن الدولية والشركات الشاحنة الكبرى رفعت تقريباً 200 في المئة تكلفة التأمين، والتجار أيضاً يتحوطون بنسبة عالية لتوقع الأسوأ، وبالتالي ينعكس ذلك على أسعار السلع والقدرة الشرائية والخدمات المستوردة من الخارج ويطاول حتى السلع المنتجة محلياً”.
ظروف معيشية خانقة
ويلفت الخبير اليمني إلى أن الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر “تأتي في ظل مستوى معيشي متفاقم وظروف صعبة يعيشها المواطن في ظل انقطاع المرتبات في المحافظات المحررة الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، ناهيك عن الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية الذين يعيشون بلا رواتب منذ 6 سنوات تقريباً، وهذ يضعهم في أوضاع صعبة”.
ويلفت إلى أن “موظفي المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية كانوا يتوقعون أنه بمجرد الاتفاق على خريطة الطريق في اليمن – التي ينص أحد بنودها على صرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الميليشيات – يُحلّ موضوع رواتبهم، لكن ما حدث في البحر الأحمر خلط الأوراق ولم يعد السلام أو الاتفاق بشان خريطة الطريق أولوية لأن البواخر التي تتعرض للهجوم من قبل الحوثيين أميركية، والوسيط في خريطة الطريق هذه أميركي، وبالتالي هذه الجهات لم تتحمس للمضيّ قدماً بشكل حاسم، مع أن الاتجاه العام في السياسة الدولية هو إدارة الأزمة في اليمن وليس حلها”.
وعن المدى الذي يمكن أن تبلغه الأضرار الاقتصادية في محيط اليمن، يرى أحمد إلى أن “بلداناً أخرى ستتضرر أيضاً من ارتفاع رسوم التأمين العالمية على البواخر المتجهة الى خليج عدن والبحر الأحمر، لكن اليمن بحكم وضعه الاقتصادي والإنساني ستكون التكلفة عليه كبيرة جداً”.
وناشدت الغرفة التجارية والصناعية في عدن عبر صفحتها على “فايسبوك” السعودية والإمارات بالتدخل لـ”إنقاذ الناس من الموت جوعاً وإنقاذ الاقتصاد”، قائلة إن الوضع وصل للحد الذي لم يعد معه معظم السكان قادرين على تأمين حاجتهم من الغذاء، مع اكتفاء الكثير من الأسر بوجبة واحدة في اليوم، مما ينذر بتبعات كارثية واضطرابات اقتصادية واجتماعية وشيكة.