ا
داود الفرحان كاتب عراقي
أثارت الحرب الروسية– الأوكرانية منذ بدايتها اجتهادات وتوقعات عن مدى استمرارها وتوقفها. معظم هذه التوقعات كانت ترجح توقفها في أقل من عام واحد بسبب تفاوت القوة العسكرية بين الدولتين، حتى مع قيام دول أوروبية والولايات المتحدة بتمويل وتزويد أوكرانيا بمليارات الدولارات ومختلف أنواع الأسلحة والذخائر. وكانت موسكو تلوِّح بما تعتقد من أن قوتها النووية قادرة على وقف الحرب في أي ساعة أو يوم أو شهر أو سنة، مثلما حدث في الحرب العالمية الثانية، حين ألقت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، وأعلنت طوكيو استسلامها على الفور. وانقضى العام الأول للحرب الأوكرانية، ولم تتوقف، وليس هناك من يجرؤ على تخمين أي تاريخ لوقفها، أو حتى إعلان هدنة ربما بعد شهر أو سنة أو عقد… أو حتى قرن. والتاريخ يقدم لنا أطول الحروب الدولية وبعضها بلا نزف لقطرة دم واحدة!
هذه قائمة بأطول 5 حروب:
1- حرب الهند والمكسيك: استمرت 414 سنة، من عام 1519م حتى عام 1933م، وقامت الحرب بسبب سلسلة من النزاعات المسلحة بين الإسبان والهنود المكسيكيين. ولا علاقة لهذه الحرب بالهند الآسيوية كما يتوقع البعض.
2- الحرب العربية– البيزنطية من عام 629م إلى عام 1180م، وجرت أحداثها في أوروبا الوسطى. وهي أول حرب بين الجانبين لنشر الإسلام، وانتهت الحرب بانتصار العرب، على الرغم من قوة البيزنطيين؛ لأن المسلمين اتبعوا تكتيكات عسكرية ساعدتهم في الانتصار.
3- الحرب الكرواتية– العثمانية، من عام 1443م إلى عام 1878م، وجرت على أراضي المجر وكرواتيا.
4- الحروب الصربية– العثمانية، واستمرت 606 سنوات، وانتهت في 1918م.
5- حروب بلغاريا ضد العثمانيين، واستمرت 610 سنوات.
إلا أن أغرب الحروب كانت صراعاً سلمياً بين هولندا وجزر سيلي الواقعة جنوب المملكة المتحدة (بريطانيا)، واستمرت 335 عاماً، ولم تُطلق فيها النيران أبداً، ما جعلها أطول حرب في التاريخ وأقلها خسائر في الأرواح. ومع طول هذه «الحرب السلمية» لم تعترف بها موسوعة غينيس للأرقام القياسية؛ لأنها بلا إطلاق نيران ولا سقوط قتلى أو جرحى!
وإزاء تلك القرون، فإن طول الحربين العالميتين الأولى والثانية صفرٌ على الشمال، على الرغم من ملايين القتلى من المدنيين والعسكريين، وتعدان أعنف الصراعات في تاريخ البشرية، ونتائجهما التي لم يسبق لها مثيل في التغييرات السياسية الكبيرة، ومعدل الخسائر العسكرية بسبب تطور الأسلحة.
مع ذلك، فإن الاستعمار العالمي لعشرات الدول أضاف ملايين أخرى من الخسائر البشرية في مختلف القارات، قبل تلك الحربين وبعدهما، بالإضافة إلى الحروب الأهلية.
عربياً، تعتبر الحرب الإسرائيلية– الفلسطينية من أطول الحروب المعاصرة التي بدأت قبل عام 1948، وما زالت مستمرة نتيجة للاحتلال الصهيوني والتمييز العنصري. وتعتبر الحرب الإيرانية– العراقية من الحروب الطويلة المعاصرة (1980– 1988) بسبب نظام الخميني في إيران، بعد سقوط النظام الملكي الشاهنشاهي في عام 1979.
ونضع الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003 إلى جانب الاحتلال الصهيوني في فلسطين، فالصهاينة يسعون إلى تحويل الفلسطينيين إلى هنود حمر جدد، بلا حقوق ولا وطن ولا حريات، ولا حتى عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
من المعتاد أن يوجه الأمناء العامون للأمم المتحدة نداءات لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء العالم كل عام جديد، إلا أن الدول المتحاربة مصابة بالصمم، مع أن السلام ذخيرة حيّة لحياة أفضل في العالم لكل الإنسانية. وكان الأمين العام للمنظمة الدولية غوتيريش قد وصف الحروب -وبينها الحرب الروسية– الأوكرانية وغيرها- بأنها «عبثية». وكان قد عقد اجتماعاً في أبريل (نيسان) من العام الماضي مع الرئيس الروسي بوتين والرئيس الأوكراني زيلينسكي على حدة، وقال غوتيريش: «كلما كانت نهاية الحرب أبكر، كان ذلك أفضل لأوكرانيا وروسيا والعالم بأسره»؛ لكنه قال عقب زيارته للدولتين في العام الماضي: «الحرب لن تنتهي باجتماعات»، وهو محق في ذلك. وكان الرئيس الصيني آخر من يحاول التوسط بين موسكو وكييف لوقف الحرب، فزار موسكو؛ لكنه لم يزر كييف، وهو أمر يُفَسر على أنه لم يوفق في مسعاه.
يشير مصطلح «قانون الحرب» إلى جانب من جوانب القانون الدولي العام، وهو يُدرس في كليات العلوم السياسية والقانون والشرائع. ويحدد بشكل خاص المبررات المقبولة لخوض حرب، وحدودها السلوكية المقبولة في زمن الحرب.
ومن بين النقاط المهمة في القانون الإنساني والمصطلحات الحديثة التي يتناولها إعلان أي حرب: قبول استسلام جيش ما، ومعاملة أسرى الحروب، والضرورة العسكرية لقرارات محددة، كحظر أسلحة معينة قد يُسبب استخدامها معاناة لا داعي لها، أو تدميراً مبالغاً فيه لخدمات معينة كالمستشفيات أو المطافئ أو القطارات ومحطاتها أو المطارات أو الجسور والمعابر، أو رموز الثقافة والمتاحف والحدائق العامة ومدن الألعاب. ولذلك فإن أي حكومة مستقرة عليها أن تتعرف على الحالة الحربية لخصومها، لتدير الصراع بشكل يراعي قوانين الحرب.
ومن أهم تفرعات قوانين الحروب أن تقتصر على تحقيق الأهداف السياسية التي بدأت الحرب لتحقيقها، ولا تسبب تدميراً لا لزوم له أو سيطرة إقليمية توسعية. ويُلزم قانون الحرب إنهاء أي حرب بسرعة قصوى، لتخفيف المعاناة الإنسانية للسكان المدنيين والجنود المحاربين في آن واحد، فضلاً عن حماية أسرى الحرب والجرحى والمرضى.
على أي حال، خسارة كبيرة أن يقطع الرئيس الصيني الحكيم مهمته في التوسط بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، لإنهاء حرب لا معنى لها قد تصل إلى القنابل الذرية. يبدو أن الوسيط البديل مفقود حتى اليوم، وخابت توقعات الصحف العالمية بأن زيارة رئيس الصين لروسيا ستكون لها تداعيات واسعة على حرب أوكرانيا. ويعلم السياسيون والدبلوماسيون أن حرب روسيا على أوكرانيا وصلت إلى طريق مسدود، إلا إذا ظهر وسيط جديد يثق به الطرفان.
والسؤال الذي نتعشى به كل مساء، هو: لماذا فشلت الأمم المتحدة في حل الأزمات الكبرى أو الحروب الملحمية؟ تبدو كل الأزمات السياسية الكبرى مستعصية على الحل، حتى لو استمرت 100 عام، مثل القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. والمشكلة أعمق من ظروف أي حرب أو أزمة خاصة، إذا اصطدمت بـ«الفيتو» الأميركي أو الروسي. أليس عجيباً أن تتساءل صحيفة «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها: «لماذا لا تستطيع الأمم المتحدة حل مشكلات العالم؟».
هل نقترح أن يتولى جنرالات من القارات الخمس منصب الأمين العام للأمم المتحدة بالتناوب؟!