اقتصادي

خصخصة شركات عامّة في ليبيا: تخفيفاً لعبء الموازنة أم باب خلفي للتّنفيعات؟

شمل القرار شركات للتوكيلات الملاحية.

يبدو أن ليبيا تتجه نحو إعادة رسم نهجها الاقتصادي لتتحول إلى سياسة تعتمد على تخارج الدول بعد عقود من الاعتماد عليها أساساً في الدعم والتوظيف، في مقابل فسح المجال للقطاع الخاص للتوسع. وبعد إعلان حكومة الوحدة الوطنية عزمها على تحرير أسعار المحروقات، بما يعني تقليص الدعم الحكومي، خطت هذه الحكومة التي تُسيطر على مؤسسات العاصمة أولى خطوات خصخصة الشركات المملوكة للدولة. وكان رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة قد أصدر قراراً نهاية الشهر الماضي يقضي بنقل تبعية سبع شركات مملوكة للدولة، إلى الهيئة العامة لترويج الاستثمار وشؤون الخصخصة، والتي ستتولى استكمال إجراءات خصخصتها، وهو القرار الذي عدته الحكومة الموازية في شرق البلاد “باطلاً”.   

 والشركات التي شملها القرار وكلها تعمل في قطاع النقل، هي: شركة شحات للتوكيلات الملاحية، وشركة جرمة للتوكيلات الملاحية، والشركة العالمية للملاحة والتوكيلات الملاحية، والشركة العامة للنقل السريع، والشركة العامة للطرق والجسور، والشركة الليبية للتموين، والشركة الليبية للمناولة والخدمات الأرضية. وطالب رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، النائب العام الليبي الصديق الصور التدخل لوقف القرار الذي “يمهد للاستيلاء على تلك الشركات”، وفقاً لوصف حماد في خطابه إلى النائب العام، مطالباً إياه بـ”اتخاذ كل ما يلزم للتحقيق في هذه الوقائع والتحرك سريعاً لإيقاف تنفيذ هذا القرار الباطل في مشروعيته وشرعيته”. وقال حماد إن “هذا الأمر يؤدي إلى الاعتداء على الممتلكات والأصول الثابتة والمنقولة المملوكة لهذه الشركات، وكذلك اختلاس أرصدتها المودعة في حساباتها، من دون أي فوائد تعود على الدولة نتيجة هذه الخصخصة”، معتبراً أن قرار الدبيبة يمثل “انتهاكاً واضحاً واعتداءً سافراً على أموال الدولة”. وأثار القرار عاصفة من الجدل في الأوساط الليبية، ورفضه عدد من النقابات العامة للعاملين في قطاعات النقل، لكن رئيس هيئة تشجيع الاستثمار وشؤون الخصخصة عبد العزيز الشاوش سعى إلى التخفيف من حدة الجدل، موضحاً أن الشركات التي شملها القرار متعثرة والموازنة العامة للدولة تتحمل رواتب موظفيها، وهناك لجنة ضمت خبراء اقتصاد ترأسها وزير المواصلات بحثت في الوضع المالي للشركات وموظفيها، وخلصت إلى ضرورة خصخصتها لتخفيف الضغط على الموازنة، مشيراً إلى أن هيئته تعمل على تقييم هذه الشركات وبعدها يتم بحث مستقبلها، سواء بإعادة هيكلتها واستمرار تبعيتها للقطاع العام أم الدخول في شراكة مع القطاع الخاص لزيادة تمويلها، أم خصخصتها بالبيع. وأضاف: “هذا القرار ليس الأول من نوعه بل سبقه نقل 128 شركة في قطاعات الصناعة والخدمات”، متوقعاً أن يلحق عدد من الشركات في قطاعات أخرى بقرار الخصخصة. أزمة سيولة نقديةوتواجه الحكومة الليبية أزمة سيولة نقدية، وكثيراً ما تتأخر لشهور عدة في صرف رواتب العاملين في القطاع الحكومي والتي تلتهم نحو 50 في المئة من النفقات العامة للدولة. ووفق وزارة المالية سجل بند الرواتب ما يقارب 60 مليار دينار ليبي، وسط توقعات بزيادته إلى ما يقارب 70 ملياراً.  الخبير الاقتصادي إدريس الشريف أوضح أن ليبيا “اعتمدت منذ عام 1979 على سيطرة الدولة على كل المؤسسات الاقتصادية والإنتاجية ومختلف المجالات، وأصبحت كل الشركات عامة، ووضعت لها القوانين التي ساهمت في احتكارها السوق والأنشطة. كما أصبحت تلك الشركات هي سوق العمل الوحيد في الاقتصاد، ما أثقل كاهلها بأعداد كبيرة من العمالة، قبل أن تبدأ الدولة في عهد النظام السابق في التحول إلى برنامج الخصخصة لكن من دون تنظيم، ما أدى إلى منافسة غير متكافئة لمصلحة القطاع الخاص، وهو ما فاقم مشكلات الشركات الحكومية”.  

 وعزا الشريف اتجاة الحكومة إلى خصخصة تلك الشركات إلى “محاولة التخلص من مشكلة ضغط رواتب موظفيها على الموازنة العامة”. وقال لـ”النهار العربي”: “قرار الدبيبة جاء بناءً على دراسة خلصت إلى عدم قدرة هذه الشركات على تغطية مصاريفها وعلى رأسها رواتب الموظفين”، لكن الشريف لفت إلى إجراءات عدة كان يمكن أن تتخذها الحكومة لدعم هذه الشركات من دون اللجوء إلى خصخصتها، وعلى رأسها تلك المتخصصة في التوكيلات الملاحية، فكان يمكن إجبار المؤسسات الحكومية التي تعمل في الاستيراد من الخارج بالتعامل حصراً مع تلك الشركات العامة، وبالتالي ترفع من دخلها بما يغطي مصاريفها. كما أشار إلى “ظروف غير مواتيه” تعيشها ليبيا لإصدار قرارات اقتصادية استراتيجية، نتيجة الانقسام السياسي وعدم إمكان تنفيذ الكثير من القرارات التي تصدر. وأضاف: “البيئة الاستثمارية في ليبيا تعتريها الآن حالة الشك وعدم اليقين لأسباب سياسية وأمنية، ولذلك يعتمد القطاع الخاص على الصفقات وليس على الاستثمار طويل الأجل”.  لا استعداد للتحوّل نحو الخصخصةوأوضح الخبير الاقتصادي عاطف الحاسي أن موجه خصخصة الشركات الحكومية بدأت في ثمانينات القرن الماضي، وكان الهدف منها إعادة هيكلتها ورفع كفاءتها التنافسية، “لكن ليبيا غير مستعدة لهذا التحول في ظل غياب المؤسسات وانهيار الخدمات التي تُشجع القطاع الخاص على الدخول إلى هذا السوق وضخ استثمارات كبيرة، ناهيك بتفشي الفساد، إذ تتذيل ليبيا قائمة الدول في مكافحة الفساد”.  وأضاف لـ”النهار العربي”: “الاتجاه نحو الخصخصة يجب أن يأتي ضمن سياسة اقتصادية شاملة وشفافة لتهيئة المناخ للقطاع الخاص بالدخول والاستثمار، لكن في الوضع الذي تعيشه ليبيا فإنه مع خصخصة هذه الشركات ستذهب إلى هؤلاء الأشخاص المتحكمين في المشهد احتكارياً”.  ورأى أن عين الحكومة ليست على تطوير هذه الشركات بل على الأصول الضخمة التي تملكها، معتبراً أن قرار الدبيبة من شأنه استفزاز الشارع، وخصوصاً أنه يتواكب مع الإعلان عن خطوات لتقليص الدعم.