خطاب السلطان التاريخي أمام مجلس عُمان: نافذة على الإصلاحات الاقتصادية في البلاد<

1

بواسطة جوناثان كامبل جيمس

Sultan Haitham at a meeting with Secretary Mike Pompeo

عن المؤلفينجوناثان كامبل جيمسجوناثان كامبل جيمس خدم مع “فيلق استخبارات الجيش البريطاني” في لبنان والمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، وأخيراً في بغداد كـ “نائب C2 في مقر القوة المتعددة الجنسيات في العراق”. ثم عمل في شركات مالية في دبي والرياض، ويدير الآن شركته الخاصة للمخاطر السياسية التي تركز على الخليج واستشارات العناية اللازمة.تحليل موجز

تحدث السلطان هيثم عن التقدم الذي حققه كحاكم وكرئيس وزراء.

مع اقتراب الذكرى السنوية الثالثة لتولي السلطان هيثم مقاليد الحكم في سلطنة عُمان، ألقى في 14 تشرين الثاني/نوفمبر خطابًا في افتتاح الدورة الثامنة لمجلس عُمان، وهو برلمان يجمع بين مجلس الدولة المعين ومجلس الشورى المنتخب بالكامل. وكانت هذه المناسبة الأولى التي يلقي فيها السلطان هيثم خطابًا من هذا النوع منذ توليه العرش، وانطوى على تقييم رسمي للتقدم الذي أحرزه في تنفيذ رؤيته لعُمان.

بخلاف خطاب الملك أمام مجلسَي البرلمان في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، حيث تكتب الحكومة القائمة الخطاب الذي يقوم الملك بقراءته فحسب، كتب السلطان خطابه بنفسه وأوضح فيه ما سعى إلى تحقيقه بصفته الحاكم، وما حققه كرئيس للوزراء.

ألقى السلطان هيثم خطابه بنبرة هادئة وأسلوب واضح وحازم وإنما أقل انفعالًا وأكثر تنظيمًا من أسلوب سلفه السلطان قابوس. ولكنه أشار مع ذلك إلى التقدم الملحوظ الذي تم تحقيقه على مدى السنوات الثلاث الماضية.

عندما تولّى السلطان هيثم العرش، وضع الحفاظ على الاستقرار الذي تحقق والتقدم الذي أُحرز في عهد السلطان قابوس في مقدمة أولوياته، إلا أنه صبّ تركيزه تحديدًا على تحقيق النمو الاقتصادي والتنويع بعيدًا عن الاعتماد على احتياطيات النفط والغاز في سلطنة عُمان، والتي تعدّ محدودة على خلاف ما هي عليه في دول الخليج الأخرى. أما عنصر الأمن والاستقرار في ولايته فقد تجسدّ في تواجد قادة القوات المسلحة ومستشاره الأول في مسائل الدفاع البريطاني الجنسية في الصف الأمامي، إلا أنه لم يعطهم حيزًّا بارزًا في خطابه.

كانت السلطنة تعاني من أزمة مالية في العام 2020 مع ازدياد الدين الحكومي إلى ما يقدر بنحو 69.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة الإفراط في الإنفاق الحكومي المموّل بالديون. وبموجب الخطة المالية متوسطة المدى التي وضعها السلطان هيثم (خطة التوازن المالي متوسطة المدى أو برنامج “توازن”، الممتد من العام 2020 إلى العام 2024)، تم تخفيض العجز المالي بحوالى النصف في العام 2021 وتم تسجيل فائض بمقدار 3.64 مليارات دولار في العام 2022، والفائض ذاته في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2023. وكان الدَّين الوطني قد بلغ 46 مليار دولار في نهاية العام 2022 وانخفض بمقدار3.5 مليارات دولار أخرى في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، بعد أن كان من المتوقع أن يصل قبل خطة التوازن المالي متوسطة المدى إلى 108 مليارات دولار بحلول نهاية العام 2023، وهذا بالتالي يمثل انخفاضًا غير عادي لأكثر من نصف إجمالي الدين الوطني المتوقع في غضون أقل من ثلاث سنوات.

بالإضافة إلى ذلك، أشاد صندوق النقد الدولي بهذا التقدم المالي خلال مشاورات المادّة الرابعة التي اكتملت مؤخرًا، وحدّد النمو الاقتصادي في السلطنة بنسبة 4.3 في المئة في العام 2022 (مع ارتفاع نسبة النمو غير النفطي من 1.2 في المئة في العام 2022 إلى 2.7 في المئة في النصف الأول من العام 2023). وقد أشار صندوق النقد الدولي إلى أن التصنيف الائتماني السيادي لسلطنة عُمان كان يرتفع بشكل مطرد، وأعرب المسؤولون العُمانيون الذين أُجريت معهم مقابلات الأسبوع الماضي عن أملهم في أن يحققوا ارتفاعًا نهائيًا يرقى إلى درجة الاستثمار بحلول نهاية العام 2023. وبحسب ما أفاده مسؤولون عن الخطة الاستراتيجية لرؤية عُمان 2040، لقد تمّ تحقيق الهدف الطويل الأمد بخفض الديون إلى أقل من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي حين كان المستوى القياسي من إنتاج النفط والغاز وارتفاع الأسعار من أبرز العناصر المساهمة في هذا التحول، فقد أشاد السلطان هيثم في كلمته أيضًا بمساهمة برنامج “توازن” في إعادة إرساء الانضباط المالي. والجدير بالذكر أن السلطان شخصيًا يشرف من كثب على البرنامج من خلال لجنة توجيهية مالية واقتصادية معززة تابعة لمجلس الوزراء ومن خلال وحدة قياس الأداء التي تعمل كمدقق داخلي خاص يرفع تقاريره إليه مباشرة.

واللافت أيضًا بالقدر نفسه هو الإصلاح الجذري لإدارة الثروات السيادية في ظل إشراف جهاز الاستثمار العماني الذي تم تشكيله حديثًا. إذ لم يعد يتم اللجوء بشكل مفرط إلى أداة الاستثمار، المعروفة سابقًا باسم صندوق الاحتياطي العام للدولة، للمساعدة في مواجهة العجز الجاري في الحسابات، وقد أصبحت الآن تتمتع بصلاحيات واسعة في مجال الاستثمار. 

كذلك، قامت الشركات المملوكة للحكومة بإنعاش مجالس الإدارة، وهي الآن تخضع لاستراتيجية مشتركة ولسياسيات القيمة المحلية المضافة وحوكمة الشركات، كما جرى طرح شركات “أبراج” و”أوكيو لشبكات الغاز” و”صندوق عمان العقاري” للاكتتاب العام الأولي، ومن المقرر إجراء 30 عملية تصفية أخرى. وتجدر الإشارة إلى أنه تم اللجوء إلى الهندسة المالية للاستفادة بشكل أفضل من هياكل القروض والديون. ويبدو أن جهاز الاستثمار العماني راضٍ عن المعدلات التي تم تحقيقها في عقود الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل الموقعة في وقت سابق من هذا العام.

وتؤكد المقابلات مع أصحاب المصلحة تأثير هذه الإصلاحات. فقد تمثل النجاح الرئيسي لبرنامج التنويع الاقتصادي الذي تحدث عنه السلطان في جولة العطاءات الأولى لمشاريع الطاقة الجديدة، حيث وقّعت ستة اتحادات يقودها القطاع الخاص على إنتاج الهيدروجين من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع تصدير الإنتاج أو استخدامه في ثلاث منشآت لإنتاج الفولاذ الأخضر في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وهي ميناء حديث الإنشاء ومنطقة صناعية تقع على ساحل بحر العرب في سلطنة عُمان.

لقد بدأ الأثر التراكمي في الظهور في الدقم، فشركات الفولاذ الأخضر تشجع الذين يشترون منتجاتها عادة على إنشاء وحدات تصنيع بمحاذاتها في المنطقة الاقتصادية الخاصة. كما سيتم تصنيع الكثير من المواد اللازمة لبناء حقول توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الدقم. علاوة على ذلك، انطلق قطاع صيد الأسماك في الميناء البحري، وقد قدّر المركز الوطني العُماني للإحصاء والمعلومات قيمة صيد الأسماك في المنطقة بـ1.1 مليار دولار أمريكي في العام 2022. ومن الجدير بالذكر أن تقييم القطاع ارتفع بنسبة 19 في المئة هذا العام، ويجري تطوير نظام لوجستي لسلسلة التبريد للحفاظ على المزيد من القيمة المحلية.

وفي الشمال، تقترب المنطقة الحرة الصناعية المختلطة في صحار من بلوغ طاقتها القصوى، وهذه نقطة إيجابية تشير إلى الاهتمام التجاري الدولي بسلطنة عُمان. فقد بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر في المشاريع التي يقودها القطاع الخاص 10.4 مليارات دولار في الربع الأول من العام 2023، متجاوزًا الهدف السنوي للاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2023 والبالغ 6.07 مليارات دولار، ما نسبته 5.62 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر بـ108 مليارات دولار لعام 2023.

من جهة أخرى، تم اعتماد إصلاحَين كبيرين للمساعدة في بناء بيئة أكثر ملاءمة للتنويع الاقتصادي. وقد تمثَّل الأول باستحداث قانون العمل الجديد الذي طرح لأول مرة مفهومَي التسريح والفصل بسبب ضعف الأداء، وبالتالي تشجيع أصحاب العمل على التوظيف في المقام الأول. أما الإصلاح الثاني فقام على استحداث نظام شامل للحماية الاجتماعية يتناول المعاشات التقاعدية ومصروفات الرعاية الاجتماعية. ويعدّ هذان الإصلاحان خطوتين كبيرتين للمضي قدمًا في تشجيع تنمية القطاع الخاص، على الرغم من وجود عقبات يتعين تذليلها مثل تعريف عملية التحكيم إذا رغب الموظف في الاعتراض على الفصل. ومن النقاط المهمة أيضًا التي تناولها خطاب السلطان الوعد بالإصلاح القضائي من أجل الحد من التعسف وعدم الكفاءة المنتشرين في الإدارة القضائية الحالية.

وبعيدًا عن التركيز العام على القضايا الاقتصادية والإصلاحات في البلاد، أشار السلطان أيضًا إلى أهمية وحدة الأسرة في المجتمع العُماني. وفي هذا الإطار، استغرب بعض الحاضرين غير العُمانيين الانتقال المفاجئ إلى الحديث عن “التحديات التي يتعرض لها المجتمع… ومدى تأثيراتها غير المقبولة في منظومته الأخلاقية والثقافية”، وهو بيان نوايا لتعزيز القيم الاجتماعية العُمانية التقليدية.

أعطى الخطاب بكامله انطباعًا بأن السلطان يعرض رؤيته الشخصية للمستقبل، وهي نسخة مطوَّرة عن رؤية سلفه ولكن تختلف عنها، بينما يقدّم نفسه في الوقت عينه على أنه مسؤول عن تحقيقها.

ومن هذا المنطلق، استعرض الخطاب التقدم الهادئ المُحرز نحو تحقيق الديمقراطية الدستورية، وهي فكرة عززها أيضًا تعهد السلطان بنقل المزيد من المسؤوليات الحكومية إلى المجالس البلدية المنتخبة ودعمه لدور مجلس الوزراء في الحكم. وبذلك، يحقق سلطان عُمان تغييرًا جوهريًا بأسلوبه الخاص المميز، كما هي الحال مع إصلاحاته الاقتصادية، ولكنه يفعل ذلك من دون الإعلان عن الطابع الجذري للتحول الذي يسعى إلى تحقيقه.

التعليقات معطلة.