خطة ترامب للسلام: تطبيع مفروض وانتهاء دور اللاعبين الإقليميين

13

 

في عالم السياسة، حيث تُقاس الحقائق بمدى تأثيرها الإعلامي، يبدو أن الجمهور مُرغم على تصديق ما يُعرض عليه كإنجازات تاريخية، حتى لو كانت مبنية على وهم التغطية الإعلامية. «سلام ترامب» ليس استثناءً؛ فهو مشبع بالشعارات الجوفاء، ومغلف بالكلمات الرنانة، لكنه في جوهره تتويج لمسار طويل من التزييف السياسي، لعبت فيه قوى دولية وإقليمية أدوارها بدقة لصالح أجنداتها، وليس لصالح الشعب الفلسطيني أو شعوب المنطقة.
المسار الذي أدى إلى هذا الإعلان لم يكن مفاجئًا، بل هو نتيجة أدوار دولية وإقليمية متشابكة:
إيران مهدت للفوضى عبر مشروعها التوسعي وميليشياتها المسلحة، فزرعت الخوف والانقسام في المنطقة.
قطر سهّلت انتشار هذه الفوضى بالمال والدعم الإعلامي، ما أسهم في تقوية فصائل محددة على حساب الشعوب.
حماس، التي ظهرت كفصيل مقاوم، أدت دورها المرسوم دوليًا منذ بداياتها، لتصبح واجهة يمكن من خلالها اختزال الشعب الفلسطيني كله، وتحويل مصيره إلى أداة تفاوضية .
إن جوهر المشكلة لا يكمن في النصوص أو البيانات الرسمية، بل في آلية اختزال القضية الفلسطينية في فصيل واحد.
إعلان خطة ترامب للسلام، بدا واضحًا أنها لم تكن محاولة حقيقية لتحقيق ما تنشده شعوب المنطقة من سلام عادل ومستدام. على العكس، جاءت الخطة كسلام مفروض، يسعى لخدمة صفقات سياسية محددة ومصالح دولية على حساب الحقوق والعدالة. خطة كهذه لم تُبنَ على أساس حماية حقوق الفلسطينيين، بل على أساس إعادة ترتيب الولاءات والمناورات الإقليمية، وتمرير التطبيع القسري بين أطراف لم تختار الشعوب العلاقة مع تلك الخطة بحرية . كان الاجدر بترامب ومن عمل معه ان يخلق اجواء التطبيع بين الشعوب وليس عبر حكومات وحركات عميلة كي يدخل التاريخ بعتبارة صانع للسلام الحقيقي .
ولعلّ أكثر ما يوضح طبيعة هذه الخطة هو الدور الذي أدته بعض الدول والفصائل الإقليمية. فقد كانت قطر، منذ البداية، مركزًا للمؤامرات والخيانة، متخصصة في إدارة الملفات السياسية الحساسة بما يخدم مصالح القوى الكبرى. الدور القطري في تسهيل عمليات التسويق الإعلامي للخطة، وفي استضافة الاجتماعات والوساطات التي أفرزت التطبيع، يكشف بوضوح عن مركزيتها في المشاريع السياسية المشبوهة بالمنطقة. لم تعد قطر مجرد لاعب إقليمي عادي، بل أصبحت منصة لدعم مصالح خارجية على حساب الأمن القومي العربي، ما يجعل مواقفها محل شك مستمر أمام شعوب المنطقة.
أما حركة حماس، فقد أظهرت طوال السنوات الماضية أنها ليست سوى صناعة إسرائيلية، أُنشئت لتقسيم الصف الفلسطيني وتخفيف الضغط على الاحتلال. كل ما قامت به الحركة من عمليات مقاومة أو مبادرات سياسية كان جزءًا من مهمة مرسومة لها بدقة: إشغال الفصائل الفلسطينية، خلق حالة من الصراع الداخلي، وتهيئة الأرضية لقبول الخطط الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. ومع إعلان خطة ترامب، يمكن القول إن حماس قد أنهت دورها المرسوم، حيث اكتملت مهمتها في خدمة المشروع الإقليمي والدولي الذي رغب في إعادة ترتيب الوضع الفلسطيني لصالح إسرائيل.
تجربة هذه الخطة تكشف حقيقةً هامة: أن السلام المفروض لا يحقق الأمن ولا العدالة، بل يكرّس مصالح القوى الكبرى على حساب الحقوق الوطنية للشعوب. كلما حاولت بعض الأطراف تمرير مثل هذه الخطط على أنها إنجازات سلام، فإن الواقع يكشف العكس تمامًا؛ فالخطة الأمريكية الإسرائيلية ليست سوى محاولة لفرض التطبيع القسري، وخلق توازنات جديدة تخدم مصالح النخب وليس الشعوب.
من هذا المنطلق، يجب النظر إلى ما حصل كدرس استراتيجي: لا يمكن اعتبار أي خطة للسلام صالحة إذا لم تبدأ بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وتستند إلى العدالة والشرعية الدولية، بعيدًا عن الضغوط الإقليمية والدولية التي تسعى لإرغام الشعوب على قبول حلول مفروضة. إن استمرارية مثل هذه المشاريع ستزيد من الاحتقان، وستجعل الحلول المستدامة أكثر بعدًا، بينما يظل التوتر الإقليمي مرتفعًا، ويستمر الشعب الفلسطيني في معاناته.
في النهاية، يمكن القول إن خطة ترامب للسلام كشفت الدور الحقيقي لبعض اللاعبين الإقليميين والدوليين، وأثبتت أن بعض الدول والفصائل، التي بدت في السابق داعمة للقضية الفلسطينية، كانت أدوات لتنفيذ أجندات خارجية.. هذا الواقع يعيد التساؤل عن مصداقية المشاريع التي يُسوّق لها على أنها “سلام” ويجعل الشعوب أكثر إدراكًا لحقيقة التوازنات الإقليمية والابتزاز السياسي المستمر .

التعليقات معطلة.