خطة نتنياهو الجديدة لمدينة غزة ستكتب نهايته

3

تصعيد الحرب والسيطرة العسكرية الكاملة على القطاع تهور سيؤدي في النهاية إلى إقالته من منصبه
ألون بينكاس
خطة احتلال غزة قد تطيح بنتنياهو (اندبندنت عربية)
ملخص
نتنياهو قد يدفع ثمن مشروع احتلال غزة. فمعارضة هذا المشروع قد ترص صفوف الإسرائيليين على اختلاف انتماءاتهم في سعيهم إلى إطاحته
مساء نهار الجمعة، ومن شقتي في تل أبيب، المطلة على ساحة الرهائن -نقطة التجمع لأقارب وعائلات الأسرى الإسرائيليين- شاهدت المتظاهرين ضد بنيامين نتنياهو، الذين أصبحت دعواتهم لوقف إطلاق النار الفوري بمثابة دعوة دائمة.
وعندما انتشر خبر خطته للسيطرة على مدينة غزة وتوسيع نطاق الحرب، ارتفع الضوضاء وعلت الأصوات أكثر. أصرت كلبتي بيبا -وهي من نوع مختلط بين نصف كورجي ونصف جاك راسل- على النزول.
لم تكن تظاهرة جماهيرية متوقعة، بل كانت تعبيراً عن استنزاف طاقة الشعب الإسرائيلي المنهك. ولكن برز في ذلك التجمع مزيج واضح من الغضب والعزيمة، وشعرنا أنها قد تكون بداية شيء ما.
فهل يمكن أن يكون قرار نتنياهو المتهور بـ”نزع سلاح [غزة]” واحتلال قطاع غزة، وما يترتب عليه من جولة جديدة من القتال العنيف، محفزاً لرد فعل عنيف ومستمر؟ هل قد يكون هذا ما سيجبره في نهاية المطاف على مغادرة منصبه؟
إن كان الأمر فعلاً كذلك، فسيكون أمراً طال انتظاره. أولاً، سادت الصدمة المدمرة التي أعقبت هجوم “حماس” الإرهابي خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 – وهو بلا شك أسوأ كارثة وأحلك يوم في تاريخ إسرائيل. وتبع ذلك الإذلال العميق واليأس عندما تكشفت الأخبار المرعبة عما حدث لأكثر من 200 رهينة محتجزين داخل أنفاق غزة.
وبعد فترة وجيزة جاء رفض نتنياهو المتعنت واللئيم لتحمل المسؤولية والمحاسبة عما حدث تحت إشرافه، وإلى حد كبير، نتيجة لسياساته.
اقرأ المزيد
شركة استشارات أميركية أعدت مشروعاً لنقل سكان غزة إلى الصومال
احتلال غزة… إسرائيل تتجه إلى حرب الأعوام الخمس
وأعقب ذلك إقالته الحاقدة لوزير الدفاع، وإقالته القاسية لرئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وإطالة أمد الحرب مراراً وتكراراً بذرائع مختلفة، وتوسع الحرب إلى لبنان وسوريا وإيران، ومحاولته الحالية لإجبار النائب العام على الاستقالة.
ساهمت كل تلك الأحداث في خلق جو من أزمة وطنية مستمرة. ومع ذلك، لم يدفع أي مما سبق مليون شخص إلى النزول إلى الشوارع.
ولكن الآن يضاف قرار تمديد الحرب إلى أجل غير مسمى من خلال احتلال غزة، إلى قرار ساخر وفاسد سياسياً وأخلاقياً لتشريع إعفاء الآلاف من اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية.
السؤال الذي يطرح اليوم هو: أين الجمهور الإسرائيلي الآن؟ متى ستتلاقى كل هذه المسارات لتشكل كتلة شعبية ناقدة تقول: كفى، هذا لن يمر، ليس باسمنا؟
إذا سألت المتظاهرين في تل أبيب الليلة الماضية حيث كنت موجوداً، فسيكون جوابهم “الآن”. لكن إذا نظرت حولك، كان هناك الآلاف، وليس مئات الآلاف – وهذا ليس كافياً.
إن أي قرار شبيه بـ”مسيرة الحماقة” [سياسات تخالف مصلحة الحكومة] للسيطرة العسكرية الكاملة على مدينة غزة لن يقبله الشعب ولن يتسامح معه، وبخاصة إذا تضمن التضحية الحتمية بالرهائن وتكبد خسائر بشرية في حرب يتبدد فيها المنطق شيئاً فشيئاً. عائلات المحتجزين تعارض هذا القرار، وجنود الاحتياط في الجيش يرفضون الانضمام إليه اشمئزازاً.
في هذا السياق، فإن الخطوة الأخيرة التي اتخذها نتنياهو برهنت على ما يظنه أولئك -غالبية الإسرائيليين، وفقاً لاستطلاعات الرأي- أي الذين يعتقدون أن الحرب لم يكن لها أهداف سياسية واضحة ومتماسكة، وأن وسائله العسكرية لم تكن متوافقة أبداً مع الأهداف الاستراتيجية وأن الحرب طال أمدها على نحو مفتعل وغير ضروري من أجل البقاء السياسي [حماية نفسه]، وأن ما حسبه الجمهور حرباً عادلة انقلب رأساً على عقب، وتحولت إسرائيل إلى شرير منبوذ في نظر العالم.
وفي سياق متصل، من المهم فهم النفسية الإسرائيلية لفهم غياب أي احتجاج شعبي واسع النطاق. قد تكره غالبية الإسرائيليين نتنياهو، لكن الميل والحافز والدافع والطاقة للاحتجاج أثناء الحرب كان دائماً منخفضاً نسبياً، لأن القيام بذلك يعد أمراً “غير إسرائيلي”.
مر المزاج العام تجاه الحرب بمراحل عديدة. فقد تحولت الصدمة الأولية إلى غضب وسخط شديدين تجاه نتنياهو. لكن هذا الغضب لم ينضج أبداً ليتحول إلى تظاهرات حاشدة، لأن الإسرائيليين وطنيون [قوميون]، والجيش جيش الشعب، وعندما تندلع حرب، لا يجب الاحتجاج. هذا هو رد الفعل السياسي-الثقافي السائد. أما السمة الثابتة الوحيدة فكانت الإرادة والمثابرة في الاحتجاج من أجل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى “حماس”، وهي حركة تعاظمت مع استخفاف نتنياهو الصارخ بمصيرهم.
كان السابع من أكتوبر 2023 يوماً عصيباً، إذ بلغ حجمه حداً مدمراً أدى إلى إصابة الرأي العام بالشلل. وبلغ العداء والكراهية والازدراء لنتنياهو مستويات قياسية في أعقاب الكارثة التي لا تنسى.
من المهم أن نتذكر أن أكتوبر 2023 أعقب عاماً من التظاهرات الحاشدة ضد الانقلاب الدستوري غير الليبرالي الذي قاده نتنياهو، وحربه المفتوحة ضد القضاء و”نخب الدولة العميقة”.
أولاً، سادت رغبة طبيعية في الانتقام والثأر، تجلت في رد انتقامي واسع النطاق. وأظهرت استطلاعات رأي متسقة طوال عام 2024 وحتى النصف الأول من عام 2025 أن 70 في المئة من المستطلعين يعتقدون أن نتنياهو مسؤول عن الكارثة، و70 في المئة يعتقدون أن عليه الاستقالة، و65 في المئة طالبوا بإجراء انتخابات مبكرة.
وبما أن نتنياهو، تماشياً مع [كما يليق بـ] انقلابه الدستوري، رفض أن يحاسب، وحاول إلقاء المسؤولية كاملة على الجيش الذي “خذله”، وأجهزة الاستخبارات التي فوجئت، ونخب الدولة العميقة التي “أضعفت المجتمع الإسرائيلي” (على حد تعبيره) اعتبر أكثر فأكثر على أنه يستمر في الحرب ويطيل أمدها من أجل مصلحة سياسية، بالتالي تعاظم تململ عامة الإسرائيليين وزاد غضبهم وإحباطهم.
الآن، تبدو الظروف مواتية لإثارة ضجة [غضب] شعبية. وستنفخ في هذا الغضب معرفة أن جيش الدفاع الإسرائيلي يعارض بشدة هذه الخطة الزائفة لاحتلال غزة.
ستكون الأيام القليلة القادمة حاسمة. إذا استمر رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، إيال زامير، في الإفصاح عن تحفظاته، فقد يستيقظ الإسرائيليون. من ناحية أخرى، لا تستخفوا أبداً بقوة التعب والاستسلام.
*ألون بينكاس هو القنصل العام الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، وكان مستشاراً سياسياً لرئيسي الوزراء السابقين شمعون بيريز وإيهود باراك.

التعليقات معطلة.