عمر الردّاد
تشكل مسالة خلافة الرئيس محمود عباس إحدى ابرز العناوين المطروحة في المشهد الفلسطيني ،فقد أصبح هذا العنوان محط اهتمام قيادات فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ،ويجري تناوله تحت عنوان: بحث إعادة تشكيل وإنتاج القيادة الفلسطينية ،بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية، وقيادة السلطة الفلسطينية ،هذا الانشغال يشمل كافة الفصائل الفلسطينية بما فيها حركتي فتح وحماس، في ظل احتمالات قوية بغياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن المشهد الفلسطيني، ومغادرته الحياة السياسية لأسباب صحية.
ويأتي الانشغال الفلسطيني بمسالة خلافة عباس ،بالتزامن مع جهود مكثفة تبذلها الولايات المتحدة ، لإخراج “صفقة القرن” إلى العلن ،خلال الأيام اوالاسابيع القادمة،والتي تؤكد ملامح تسريباتها أنها تقوم على “تجميع” مبادرات متعددة ،سبق وتم طرحها أعقاب جمود وتعثر عملية السلام منذ اتفاق اوسلو،ويبدو أن تلك الصفقة لم تخرج عن مضامين تلك المبادرات ،التي تم رفضها ،اذ تندرج بنودها في إطار مفهوم سلام اقتصادي بين الفلسطينيين وإسرائيل ،بدولة فلسطينية جوهرها أكثر من حكم ذاتي واقل من دولة،عمادها مواصلة وتعميق التنسيق الأمني بين أجهزة هذه الدولة مع إسرائيل، هذا التنسيق الذي سجل “نجاحا” منذ اوسلو ،وربما كان العنوان الأبرز العابر لكافة الاتفاقات والتفاهمات الفلسطينية الإسرائيلية.
مرجعية التعاطي الفلسطيني مع ملف خلافة عباس ،وإعادة ترتيب القيادة الفلسطينية ، يأتي اليوم في سياقيات تحدد ملامح وشروط خليفة الرئيس عباس وهي:
الأول: السقوف التي شكلت مرجعيات لانطلاق السلطة الفلسطينية منذ عام 1993،وهي التفاوض مع إسرائيل، وهو ما يعني غياب اي مشروع يتناقض مع هذه المرجعية، بما في ذلك “مشروع حركة حماس” التي شاركت في المؤسسات المنبثقة عن هذه المرجعية ،سواءا في البرلمان الفلسطيني ،أو رئاسة الحكومة الفلسطينية،وبقية أجهزتها ومبادراتها اللاحقة التي شكل الاقتراب من السلطة ومنافستها عنوانا لها ، وخاصة الاعتراف بإسرائيل والدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران.
الثاني: مشهد فلسطيني ،عنوانه الضعف والانقسام وعدم قدرته على إنتاج مشروع وطني فلسطيني يحظى بإجماع شرائح وقطاعات واسعة في ظل “فشل” المصالحة بين فتح حماس، تتزامن مع مشهد عربي وإسلامي لايقل سوءا، يحول دون وجود حاضنة إستراتيجية للفلسطينيين.
الثالث: أن شخصية خليفة الرئيس عباس ،تخضع لاعتبارات مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل ،جوهرها قناعة ورغبة وقدرة القائد الجديد على التعاطي مع مشروع السلام المطروح وهو “صفقة القرن”.
في ظل هذه المقاربة،تغيب الفوارق بين الأسماء المرشحة لخلافة عباس ،الا في إطار معايير واعتبارات محددة، ليس من بينها إنتاج مشروع جديد متناقض مع ما هو قائم ،منذ التحولات الفلسطينية بعد أوسلو، وسلم كسر المحرمات،وربما يكون العنوان الأبرز في هذه المعركة أنها تجري في إطار صراع بين تيار الجيل القديم ، من مؤسسي حركة فتح وتيارات شبابية صاعدة، بحيث تنتج قيادات جديدة ولدت ونشأت في فلسطين ، ولم تخض تجربة النضال والعمل الفصائلي في الساحات الخارجية .
من المقرر أن ينعقد المجلس الوطني في أواخر نيسان المقبل،لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، بعد وفاة عضوها غسان الشكعة، ومرض العضوين :محمد زهدي النشاشيبي وعبدالرحيم ملوح، كما يتوقع ان يغادر ياسر عبدربه ، الذي حل محله صائب عريقات منذ عامين بعد خلافات مع عباس،إضافة لكل من :احمد قريع وزكريا الأغا وآخرون،ومن المؤكد ملء الشواغر من قبل أعضاء في حركة فتح ، وبعض المستقلين المقربين منها، وهو ما يعني استمرار غياب حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين أعلنتا رفضهما لنتائج اجتماعات المجلس الوطني القادمة والقرارات والتشكيلات التي ستصدر عنه.
نتائج اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني ، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي ستنبثق عته ستحدد شخصية الرئيس الفلسطيني القادم لخلافة عباس، وإذا ما تم استثناء احتمال ترشح “خالد مشعل” فان المنافسة ستكون في إطار حركة فتح بين : مروان البرغوثي، محمد دحلان ، وجبريل الرجوب، بالإضافة لكل من :سلام فياض وماجد فرج “مدير المخابرات الفلسطينية”، ولكل من هؤلاء المرشحين عوامل قوة وضعف على الصعيدين الداخلي والخارجي ، وبناءا عليها يرجح خبراء في الشأن الفلسطيني استبعاد ألبرغوثي ودحلان والرجوب من المنافسة، وهو ما يعني تقوية فرص ماجد فرج ، مالم تبرز متغيرات نوعية ومفاجآت ،رغم ضعف احتمالات وقوع سيناريوهات من هذا القبيل.
الانشغال الفلسطيني في مسالة خلافة عباس،وإعادة إنتاج المؤسسات الفلسطينية ، بما فيها مؤسسات السلطة الفلسطينية ، على أهميته ،يعني غياب سيناريو حل السلطة الفلسطينية ،الذي هددت قيادات فلسطينية بالذهاب إليه ،ردا على صفقة القرن،لإحراج إسرائيل ووضعها أمام مسؤولياتها باعتبارها قوة احتلال،غيران الأهم في معركة خلافة عباس أن لا تتحول إلى فوضى فلسطينية،سيكون الشعب الفلسطيني الخاسر الرئيس فيها، وهو سيناريو بدأت تتسرب تقديرات “غير بريئة” حول احتمالات وقوعه في مراكز دراسات غربية.