خلاف بين بغداد وأربيل على الموارد المائية… “الجارتان” منشأ الأزمة والهدر يفاقمها

1

 نهر أبو لحية المحلي في محافظة ذي قار وقد شارف على الجفاف.  (أ ف ب)

نهر أبو لحية المحلي في محافظة ذي قار وقد شارف على الجفاف. (أ ف ب)

A+A-تؤكد الصور ومقاطع الفيديو التي تنشرها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عن تناقص مستويات مياه بعض الأنهار وجفاف أخرى، بالذات في المناطق الوسطى والجنوبية، أن العراق سيواجه صيفاً جافاً للغاية، تُفقد فيه مياه السقي في العديد من المناطق، فيما ستندر في مناطق أخرى حتى مياه الشرب.  المشاهد المصورة من محافظتي ذي قار وميسان أظهرت أن منسوب نهر دجلة انخفض إلى أدنى مستوى له، ووصل في ميسان إلى حدٍ تمكن فيه المواطنون من عبور النهر سيراً على الأقدام، فيما تمت مشاهدة العديد من العائلات والأطفال تتنزه وتمارس ألعاباً في قاع النهر الجاف.   أزمة الجارتينخبراء حكوميون أعادوا أسباب تراجع منسوب النهرين الرئيسيين في البلاد، إلى جانب العشرات من البحيرات الاصطناعية ومنطقة الأهوار، إلى السياسات المائية التي تتبعها تركيا وإيران اللتان تعدان مصدراً لأكثر من 80 في المئة من المياه النهرية المتدفقة نحو العراق. فهذان البلدان صارا منذ سنوات يحصران مياه الأنهار الدولية العابرة للحدود ضمن أراضيهما، لتتمكنا من تلبية حاجاتهما ضمن خطط مواجهة التغيرات المناخية.  في هذا السياق، طالبت الجهات الحكومية والشعبية نظيراتها في إقليم كردستان بزيادة التدفقات المائية التي تصدر منها نحو باقي مناطق العراق، للتخفيف من آثار هذه الجائحة.  المعنيّون في إقليم كردستان ردوا على ذلك بأن التوجهات والاتهامات الصادرة من بعض الجهات العراقية إنما تأتي من باب إلقاء اللوم والعتب على الآخرين، بعد فشلها في حل المسألة المائية مع دول الجوار، وإجبارها على الالتزام بالقوانين الدولية والاتفاقيات الثنائية بشأن تقاسم الحصص المائية في هذه الأنهر العابرة للحدود.  موقف الإقليمإقليم كردستان نفى أن يكون له أي دور في الأزمة الأخيرة. فنهر الفرات لا يمر أبداً بإقليم كردستان بأي شكل، ولا حتى أي رافد له، ومع ذلك صار جافاً في ثلثه الأخير، وملوحة شط العرب تجتاح مناطق متمادية شمالاً بسبب ذلك النقص في النهر. الأمر نفسه ينطبق على نهر دجلة، الذي يحاذي الحدود بين إقليم كردستان وسوريا لكيلومترات عدة، ثم يدخل الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة العراقية، وقلة روافده المتأتية من إقليم كردستان هي نتيجة لحصر منابع تلك الروافد ضمن تركيا وإيران.  

 الباحث والخبير في الشؤون المائية سوران غفوري شرح لـ”النهار العربي” السياسات التي يتبعها إقليم كردستان هذا الإطار، والتي لا يُمكن وصفها بالتوجهات المضادة أو المتسببة بالأزمة المائية في البلاد.  وقال غفوري: “لا يتحكم الإقليم بأي منابع لمسطحات مائية عابرة لمناطقها الجغرافية، وجميع المشاريع المائية التي يؤسسها، كالسدود ومحطات الضخ، هي جزء من استراتيجيته لزيادة الطاقة الكهربائية النظيفة من جهة، ولمنع المياه الطبيعية من التسرب وعدم الاستفادة منها. وهي جميعها، وبحسب تصريحات المسؤولين العراقيين، متوافقة مع الخطط الوطنية المركزية الاستراتيجية، ومع المادة 114 من الدستور العراقي. لكن ثمة جهات سياسية تعتبر الموضوع أمراً حساساً يمكن التحريض عبره ضد إقليم كردستان”.  هدر هائل!المعلومات والمعطيات التي تصدرها حكومة إقليم كردستان والمديريات المختصة في الإقليم، تشير إلى أن سكانه، وعبر مختلف أعمالهم واستعمالاتهم المائية، إنما يهدرون ربع الموارد المائية فيه، التي تتجاوز 3 ملايين متر مكعب يومياً، وذلك يكلف الخزينة العامة في الإقليم قرابة مئة مليون دولار سنوياً، فالإقليم لا يزال تحت سيطرة دول الجوار من حيث الموارد المائية، ولا تلبي مناطقه الجبلية أكثر من نصف حاجاته المائية.   فالإقليم، مثل باقي مناطق العراق، يواجه أزمة متفاقمة في مسألة المياه، إذ تشير دراسات إلى أن الآبار المائية في منطقة سهل العاصمة أربيل كانت بحدود 200 متر عمقاً خلال العام 2000، لكنها راهناً تتطلب عمقاً يراوح بين 600-700 متر لاستخراج المياه. وهي آبار ضرورية للسكان المحليين في أربيل، ومثلها باقي مدن الإقليم. أي أن الحال أفضل بشكل نسبي فقط عن باقي مناطق العراق.  خبراء عراقيون طالبوا حكومة إقليم كردستان ونظيرتها المركزية بأعلى درجات التنسيق، واستخدام كل الأدوات والامتيازات التي يملكها العراق للضغط على الجارتين تركيا وإيران، فالمسألة تتعلق بحياة ملايين العراقيين. كما طالبوا بغداد وأربيل بالتخطيط لمشاريع مائية استراتيجية كبرى في إقليم كردستان، لمصلحة كل العراق.  من الجدير بالذكر، أن العراق فقد خلال السنوات الأخيرة أكثر من 70 في المئة من موارده المائية التي كانت تتدفق عليه من دول الجوار. فقد صار العراق يحصل فقط على 200-250 متراً مكعباً من المياه في الثانية، وهو يحتاج فعلياً إلى 900. 

التعليقات معطلة.