منذ نجاحها بتشكيل الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، حافظت قوى “الإطار التنسيقي الشيعي” على “مستوى آمن” من الاشتباك في القضايا الخلافية التي نشبت غير مرّة، لكن تباين الآراء بشأن اختيار رئيس للبرلمان خلفاً لمحمد الحلبوسي، دفع قوى الإطار إلى تبادل حملات حاد ونادر. وطيلة أسبوع، لم يتوقف تراشق التصريحات النارية الذي تطوّر إلى إصدار بيانات- بين قوى الإطار الأقرب إلى إيران، ولا يبدو أنّ آخرها كان بيان هادي العامري، منتصف ليل الخميس الجمعة، الذي أشار إلى ضرورة “تماسك الإطار التنسيقي”، بوجه الأزمة الأشد منذ تشكيل الحكومة، أواخر تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2022.
وتدخّل زعيم منظمة “بدر” هادي العامري، لتبريد الأجواء داخل “الإطار التنسيقي الشيعي”، بعد خلافات شديدة ظهرت بين قواه، على خلفية جلسة انتخاب رئيس جديد للبرلمان خلفاً لمحمد الحلبوسي، الأحد الماضي. ويحاول البرلمان منذ شهرين اختيار بديل لرئيسه السابق، زعيم حزب “تقدّم” محمد الحلبوسي، الذي أبطلت المحكمة الاتحادية العليا عضويته في قضية تزوير التوقيعات. وينقسم الإطار بين طرفين، الأول بزعامة رئيس ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي، ويؤيّد انتخاب محمود المشهداني لرئاسة البرلمان، وهو مرشح كتلة سنّية صغيرة نسبياً (أقل من 20 مقعداً)، أما الطرف الثاني، فيمثله تيار “الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، ويرى أنّ رئيس البرلمان المقبل ينبغي أن يكون مرشح الأغلبية السنّية، ولذا صوّت أعضاء “الحكمة” لصالح شعلان الكريّم مرشح حزب “تقدّم” الذي يرأسه الحلبوسي، ويمتلك نحو 40 مقعداً. ومحمود المشهداني هو رئيس سابق للبرلمان، وقد حصل على 48 صوتاً فقط، معظمها من نواب ائتلاف “دولة القانون”، وفيما لو تمكّن من الفوز بالرئاسة مجدداً، سيكون أول رئيس يعود إلى منصبه بعد انقطاع. ويخشى سياسيون من أنّ إصرار “دولة القانون” على دعم المشهداني، يستبطن رغبة لدى المالكي بتهيئة الأجواء والعودة إلى رئاسة الوزراء من جديد. ويتداول مناوئو الحلبوسي فيديو يعود لسنوات خلت، يظهر مرشحه شعلان الكريّم وهو “يترحّم” على رئيس النظام السابق صدام حسين، وينكر الكريّم تهمة “تمجيد البعث”، ويقول إنّ بحوزته قراراً حكومياً من العام 2014 يبرّئه من تلك التهمة، لكن شخصيات وقوى شيعية رئيسية واصلت الهجوم على الكريّم وحلفائه، وما زالت تطالب باستبعاده. وتصاعدت حدّة الاتهامات بين القوى الشيعية، حتى قال رجل الدين المقرّب من ائتلاف “دولة القانون” عامر الكفيشي، إنّ “الجحيم سيكون في انتظار النواب الذين خانوا الأمانة وصوّتوا لأعداء الشعب”. وبالنسبة لحزب “تقدّم” ومؤيّديه من نواب الإطار الشيعي، فإنّ “الهجمة لا تتعلق بشعلان الكريّم أو تمجيده لصدام، بل تتعدّى إلى محاولة أطراف في الإطار، تصفية الحلبوسي نهائياً، ودعم زعامة سنّية جديدة” كما في تصريحات عضو الحزب فهد الراشد. ورغم أنّ الكريّم حصل في جولة التصويت الأولى على 152 صوتاً، وكان على بعد 14 صوتاً فقط من منصب الرئاسة، إلاّ أنّه يواجه مصاعب كبيرة، فالمحكمة الاتحادية تنظر في دعويين، الأولى لإبطال ترشيحه من الأساس، والثانية رفعها حزبه، ضدّ “الخروقات التي وقعت في جلسة انتخابه”.
وتقول مصادر سياسية من داخل حزب “تقدّم” إنّ “الكريّم لم يكن منذ البدء المرشح الأقرب إلى الحلبوسي، وأن لا مانع لديه من استبداله في ما لو حكمت الاتحادية بإلغاء الجلسة وفتح باب الترشيح مرّة ثانية”. وفي مسارٍ موازٍ، يضجّ الإعلام العراقي بالحديث عن “الشدّات أو الدفاتر” – مفردها دفتر، وهي التسمية الشعبية لمئة ورقة من فئة مئة دولار- التي يزعم نواب أنّها كانت حاضرة بقوة في مشاورات اختيار رئيس البرلمان الجديد. ولم يسبق أن وصل الحديث عن رشاوى مالية، أو بسيارات “تاهو” الأميركية، إلى هذا الحدّ من العلانية، الأمر الذي دفع هيئة النزاهة إلى استدعاء 5 نواب للتحقيق في شأن تصريحاتهم. وبالنسبة للحلبوسي الذي يتحدر من محافظة الأنبار، ويتخذها معقلاً سياسياً، تبدو الخيارات صعبة، فاستبعاد الكريّم، وهو من محافظة صلاح الدين، وبقاء المشهداني “البغدادي” خارج المنافسات، قد يعني ارتفاع أسهم المرشح الثالث، سالم العيساوي، وهو أيضاً من محافظة الأنبار، وقد يشكّل وصوله إلى الرئاسة، مصدر إزعاج للحلبوسي الذي تمكن من بسط شعبيته على الأنبار.