فرض قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر نفسه كأبرز رجال معسكر شرق ليبيا سطوة ونفوذاً من بوابة إعادة الإعمار، وسط تزايد تعقيدات المشهد السياسي في البلاد وفشل جهود الموفد الأممي عبدالله باثيلي في مبادراته لحلحلة الوضع. رسالة إلى الخصومففي احتفال ضخم أُقيم الأسبوع الماضي لافتتاح مشاريع جسور جديدة ضمن خطة إعادة إعمار مدينة بنغازي، أكبر مدن شرق ليبيا، خطف حفتر كالعادة الأضواء من جميع الحضور وفي مقدّمهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس الحكومة الموازية أسامة حماد، لكنه كان حريصاً على توجيه رسائل مبطنة إلى خصومه، مفادها أنّ الأضلاع الثلاثة لمعسكر الشرق هم على قلب رجل واحد. وحظي الاحتفال بتغطية إعلامية واسعة من وسائل الإعلام المحسوبة على معسكر الشرق، ونُشرت على نطاق واسع فيديوات للجنرال الذي يرغب في اعتلاء قمة هرم السلطة في ليبيا، وهو يتقدّم مترجلاً الحضور لتفقّد المشاريع المفتتحة، وفي الخلفية تُطلق الألعاب النارية، وفي صور أخرى كان يتوسط وعلى يمينه صالح ويساره حماد قبل أن يمسك بيديهما في مشهد احتفالي. ترافق ذلك مع تسريب صور لنجل المُشير بلقاسم حفتر يقود سيارته وبصحبته رئيس مجلس النواب، قبل بدء الاحتفال، في نفي ضمني لما تردّد خلال الشهور الأخيرة عن صراع الطرفين ورغبة حفتر الابن، الذي عُيّن أخيراً مديراً تنفيذياً لصندوق إعمار المناطق المنكوبة، إضافة إلى نفوذه الواسع داخل “الجيش الوطني” ومع حلفائه الدوليين، بإطاحة صالح من رئاسة البرلمان.
وفي صور أخرى كان يتوسط وعلى يمينه صالح ويساره حماد قبل أن يمسك بيديهما في مشهد احتفالي. ترافق ذلك مع تسريب صور لنجل المُشير بلقاسم حفتر يقود سيارته وبصحبته رئيس مجلس النواب، قبل بدء الاحتفال، في نفي ضمني لما تردّد خلال الشهور الأخيرة عن صراع الطرفين ورغبة حفتر الابن، الذي عُيّن أخيراً مديراً تنفيذياً لصندوق إعمار المناطق المنكوبة، إضافة إلى نفوذه الواسع داخل “الجيش الوطني” ومع حلفائه الدوليين، بإطاحة صالح من رئاسة البرلمان.
مشاريع شاملةوفي كلمته على هامش الاحتفال، أكّد حفتر أنّ “الجيش يساعد في بناء مستقبل زاهر لبنغازي استناداً إلى استراتيجية تعتمد على إعمار البنية التحتية والخريطة العمرانية”، مشيراً إلى أنّ الحكومة المكلّفة من مجلس النواب “تعمل على مشاريع حقيقية لتطوير بنغازي، لا كغيرها التي لا نرى نتائج لأعمالها”، في إشارة إلى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. وتعهّد قائد الجيش كذلك بالاستمرار في بناء المدن وفق خطط مدروسة، معتبراً أنّ ليبيا “تعيش مرحلة تحوّل عنوانها النهضة والعمران… بنغازي العامرة العصية على الإرهاب تستحق الكثير، مع واجب العمل على مشاريع تنموية فيها لتكون قبلة للقاصدين”. ودعا إلى “دعم التعليم والحركة الثقافية والمسرحية والإبداعية باعتبارها جزءاً من المشروع الوطني الذي نسعى لتحقيقه”. أما رئيس مجلس النواب فحرص في كلمته على التأكيد أنّ بنغازي “شهدت في أعوام سابقة أشرس المعارك التي من خلالها حاربت قواتنا المسلحة الباسلة كل أشكال الإرهاب وحقّقت انتصاراً على الإرهابيين الظلاميين الذين عاثوا فساداً. لكننا نرى المدينة اليوم تعيش في أمن وأمان واستقرار، وبدأت فيها مشاريع الإعمار والبناء بفضل قواتنا المسلحة التي لا تعرف المستحيل ولا تتردّد في دحر العملاء الذين يريدون تفكيك الدولة للسيطرة عليها”. وإذ شدّد صالح على أنّ مجلس النواب “داعم لهذه المشاريع والاستقرار في ليبيا، وأنّ المجلس يقف صفاً واحداً لمساندة هذه الجهود الجبارة”، أكّد أنّ ما وصفه بـ”الإنجازات التي انطلقت في مدينة بنغازي، ستنطلق قريباً في مدينة درنة والمناطق التي تعرّضت للسيول والفيضانات”، داعياً الشركات العربية والأجنبية إلى “المشاركة في هذه النهضة التنموية التي تدلّ على أنّ ليبيا بلد أمن وأمان”، مثمناً دور الشركات المصرية التي أنجزت مهامها طبقاً للمواصفات العالمية. وكان المدير العام لشركة “وادي النيل” للمقاولات المصرية، فرع ليبيا، عبد المجيد الرشيدي، أعلن عن حصول شركته على عقود إنشاء عدد من الجسور الجديدة عقب الانتهاء من 5 جسور في بنغازي. وأوضح على هامش الاحتفال “أننا بصدد توقيع عقد مع لجنة إعادة الإعمار والاستقرار لإنشاء ثلاثة جسور جديدة في بنغازي، وسنبدأ العمل في هذه الجسور فور توقيع العقود مباشرة”. وبالتزامن، وقّع صندوق إعادة إعمار المناطق المنكوبة جراء الإعصار “دانيال” الذي ضرب المنطقة في أيلول (سبتمبر) الماضي، عقوداً مع شركة “المقاولون العرب” المصرية. وقالت الحكومة المكلّفة من مجلس النواب في بيان، إنّ الاتفاقات “تشمل عقود إنشاء جسور جديدة في المدخل الغربي لمدينة درنة التي جرفتها الفيضانات”. ووقّع العقود من الجانب المصري رئيس مجلس إدارة الشركة أحمد العصار، ومن ليبيا بلقاسم حفتر بصفته المدير التنفيذي لصندوق إعادة إعمار درنة والمناطق المتضررة، والذي طالب بـ”ضرورة البدء في الأعمال وإتمامها في أسرع وقت، من أجل حلحلة الاختناقات التي تعاني منها مدينة درنة مع ضرورة الحفاظ على الجودة”، وفق البيان. مبالغات في الاحتفال؟وإذ أكّد الخبير في الشأن السياسي الليبي أحمد الأشهب أنّ دور الجيش الوطني وقائده لإعادة اعمار بنغازي “جهد طيب، والجميع ينظر إليه بإيجابية”، رأى أنّ افتتاح جسور “لا يحتاج إلى اقامة احتفالات ضخمة، وهي أمور تعمل عليها الحكومات بشكل طبيعي، وواجب عليها، في كل بلدان العالم”. وأضاف لـ”ألنهار العربي”: “ربما قد نعتبر الأمر محاولة للتخفيف من المآسي التي يتعرّض لها الشعب الليبي طيلة سنوات، لكن قد يعتبره آخرون دعاية انتخابية، فالمبالغة في الاحتفال تطرح سؤالاً عمّا إن كان ما تمّ افتتاحه مشاريع دولة حقيقية أم مشاريع نظام حكم وأشخاص؟”. ولفت الأشهب إلى أنّ الحدث “يرسّخ الانقسام بين حكومتين، إحداهما في الشرق تنفّذ مشاريع لمنطقة نفوذها والأخرى في الغرب. ثمة ضرورة ملحّة لتوحيد المؤسسات وأن تكون مشاريع إعادة الإعمار والبنى التحتية تحت مظلة جهة موحّدة تخضع للرقابة والمحاسبة المالية، حتى لا نظل في جدلية كيف يتمّ توزيع الثروة بين الأقاليم الليبية: الشرق والغرب والجنوب، وعلى أي أساس تُنفق الحكومتان المتصارعتان وأي جهة تراقبهما”.