دراسة: الشمبانزي يعرف مبادئ تنظيف وعلاج الجروح ورعاية بعضهم البعض| صور

3

توصل فريق من الباحثين إلى أن قرود الشمبانزي تعرف مبادئ تنظيف وعلاج الجروح. ووجد الباحثون الذين يدرسون حياة الشمبانزي في غابات بودونجو بأوغندا أن تلك الثدييات الرئيسية لا تعالج فقط جروحها، بل أيضًا جروح أقرانها ضمن الجماعات التي تعيش فيها.

وأعرب الباحثون عن اعتقادهم أن هذه السلوكيات ربما تسلط الضوء على طرق العلاج التي عرفها الإنسان الأول، وكذلك المواد أو الأعشاب التي كان يستخدمها للتداوي.

ورغم أن ممارسات مشابهة قد رُصدت بالفعل في جماعات أخرى لقرود الشمبانزي، فإن تكرار عمليات العلاج والتداوي بين قرود غابات بودونجو يشير إلى أنها سلوك شائع وليس مجرد سلوكيات فردية تهدف فحسب إلى مساعدة القرود من أبناء العائلة الواحدة.

الشمبانزي تعرف الأعشاب العلاجية وتستخدمها

يقول الباحث إيلودي فيريمان المتخصص في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) ورئيس فريق الدراسة من جامعة أكسفورد البريطانية إن “هذا البحث يساعد في تسليط الضوء على جذور علوم الطب عند البشر”، مضيفًا في تصريحات للموقع الإلكتروني “سايتيك ديلي” المتخصص في الأبحاث العلمية: “عن طريق توثيق طريقة تعرف الشمبانزي على الأعشاب العلاجية واستخدامها، بل وتقديم الرعاية الصحية لأقرانه، يمكننا اكتشاف الأسس المعرفية والاجتماعية لسلوكيات البشر في نفس المجال”.

جروح الأفخاخ وعمليات الملاحظة

خلال الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية Frontiers in Ecology and Evolution المتخصصة في علوم البيئة وتطور الأنواع الحية، درس الباحثون جماعتين من قرود الشمبانزي بغابات بودونجو هما جماعة “سونسو” و”وايبيرا”. ومثل جميع القرود التي تعيش في البرية، تتعرض الشمبانزي للجروح بسبب الاقتتال فيما بينها، والحوادث، وأفخاخ الصيد. وتبين من الملاحظة أن حوالي 40% من القرود في جماعة “سونسو” مصابة بجروح بسبب الأفخاخ. ظل الفريق البحثي يتابع كلتا الجماعتين لمدة أربعة أشهر، مع مشاهدة مقاطع فيديو من قواعد بيانات متخصصة تضمنت بيانات سُجلت على مدار عقود، ودراسات قام بها باحثون آخرون بشأن طرق التداوي لدى القرود.

نجح الباحثون في تحديد نوعية الأعشاب التي يستخدمها الشمبانزي كدهانات خارجية للعلاج، وتوصلوا إلى أن العديد من هذه الأعشاب بها بالفعل خواص كيميائية تساعد في شفاء الجروح فضلًا عن مزايا طبية خاصة. وخلال فترة الملاحظات المباشرة، قام الباحثون بتوثيق 12 إصابة لقرود شمبانزي في جماعة “سونسو”، وكان معظمها ناجمة عن اقتتال بين أبناء الجماعة الواحدة. أما في جماعة “وايبيرا”، فقد سُجلت إصابة خمسة من قرود الشمبانزي، من بينها أربعة ذكور في حوادث اقتتال، وأنثى بسبب السقوط في أحد أفخاخ الصيد.

41 حالة تداوٍ ورعاية متبادلة

أثناء الدراسة، نجح الباحثون في توثيق 41 حالة تداوٍ بشكل عام، من بينها 34 حالة رعاية ذاتية، بمعنى أن الشمبانزي الجريح يداوي نفسه بنفسه، وسبع حالات رعاية بالآخرين. وتضمنت تلك الحالات أشكالًا مختلفة من سلوكيات تقديم الرعاية والعون، وربما يعود هذا الاختلاف إلى طبيعة الجروح والتفضيلات الشخصية التي تتنوع من قرد لآخر.

ويوضح فيريمان أن “أساليب العناية بالجروح بين الشمبانزي شملت أساليب مختلفة ما بين لعق الجروح لإزالة بقايا الدماء ووضع بعض المركبات المضادة للميكروبات في اللعاب، ثم لعق الأصبع والضغط على الجرح لوقف النزيف، أو مضغ بعض الأعشاب ولصقها بشكل مباشر على الجرح”.

وأضاف أن “جميع القرود التي تمت ملاحظتها شفيت من الجروح التي كانت قد أصيبت بها، رغم أنه لا يمكن بالطبع تحديد كيف سيكون مصير هذه الجروح لو لم تكن تلك القرود قد نالت الرعاية الصحية التي حصلت عليها”.

ومن بين حالات الرعاية الصحية بالأقران، وجد الباحثون أن أربع حالات شملت علاجًا للجروح، وحالتين لتحرير القرود من الأفخاخ، وحالة واحدة لمساعدة الشمبانزي على القيام ببعض السلوكيات الصحية التي تقي من الإصابة بالعدوى بعد التزاوج أو قضاء الحاجة. ولم يُرصد أي نوع من التمييز عند تقديم الرعاية الصحية بين أفراد جماعات الشمبانزي، بمعنى أنه في أربع حالات، تم تقديم الرعاية الصحية بين قرود لا تجمع بينها صلة دم.

ويقول فيريمان إن “هذه السلوكيات تضيف إلى الأدلة التي جُمعت من جماعات أخرى وتؤكد أن القرود يمكنها بالفعل تحديد أقرانها التي تحتاج للمساعدة أو التي تتألم، ويمكنها إتيان سلوكيات متعمدة للتخفيف عنها، حتى بدون تحقيق مصلحة مباشرة بين الطرفين”.

أوجه القصور البحثية ودراسات مستقبلية

وكشف فيريمان أن هذه الدراسة تنطوي على بعض أوجه القصور من الناحية البحثية، مشيرًا على سبيل المثال إلى اختلاف البيئة المعيشية للقرود بين جماعتي “سونسو” و”وايبيرا”.

وأشار إلى أنه بالرغم من توثيق نوعيات النباتات والأعشاب التي استخدمتها القرود في التداوي والعلاج، ما زال يتعين الرجوع إلى متخصصين في علوم الدواء والصيدلة للتحقق من جدواها وفوائدها العلاجية. كما لم ينجح الباحثون في تحديد الظروف التي تؤثر على القرود وتدفعها إلى تقديم المساعدة أو الرعاية الصحية في مرات والامتناع عن تقديمها في مرات أخرى، لا سيما وأن كثرة أفخاخ الصيد في غابات بودونجو ربما تزيد من احتمالات تكرار جروح القرود وما يترتب على ذلك من احتياجها المستمر للتدخلات العلاجية بين بعضها البعض.

وأكد أن أوجه القصور العلمية هذه تؤكد ضرورة إجراء مزيد من الدراسات مستقبلاً، لا سيما في إطار العلاقات الاجتماعية داخل جماعات القرود والظروف التي تحيط بها داخل بيئتها الطبيعية.

التعليقات معطلة.