تعمل المنظمة على حماية مصالح جميع الشركاء في سوق الطاقة من منتجين ومستهلكين ومتعاملين في السوق (اندبندنت عربية)
على عكس الانتقادات التي توجه لها بين الحين والآخر، وتصريحات السياسيين السلبية تجاهها في أوقات الأزمات، تظل منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” في غاية الأهمية للحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية، بخاصة في أوقات الاضطرابات والمضاربات، بحسب ما خلصت إليه ورقة بحثية مقدمة لمجلس محافظي الاحتياط الفيدرالي الأميركي، ضمن سلسلة “نقاشات مالية واقتصادية” اطلعت عليها “اندبندنت عربية”.
واعتمدت الدراسة طريقة تحليل المضمون لبيانات منظمة “أوبك”، وما يصدر عنها من رسائل على مدى نحو عقدين منذ مطلع القرن الحالي، مع التركيز على أوقات الأزمات واضطراب الأسواق. وأخذ النموذج التحليلي في الاعتبار أن منظمة “أوبك”، في رسائلها التي تصدر عنها، تتبع طريقة أقرب لما تقوم به البنوك المركزية، إذ تستهدف تلك الرسائل أصحاب المصلحة، والسوق العام بصورة أوسع.
ووضع الباحثون معياراً في تحليل المضمون هو ما إذا كان المتعاملون في السوق يرون رسائل “أوبك” من خلال بياناتها وتقاريرها وتصريحاتها ذات صدقية عالية أم لا، أما مفاتيح تحليل المضمون في سرديات رسائل “أوبك” التي خضعت للتحليل فكلها تتعلق بأسس سوق النفط من قبيل العرض، والطلب، ونشاط المضاربات في سوق الخام.
وتقع الدراسة في 60 صفحة، وتزخر بالجداول الإحصائية والرسوم البيانية المستندة إلى نتائج التحليل الإحصائي لمضمون رسائل “أوبك” في نحو 20 عاماً، ويخلص واضعوها إلى أن “رسائل أوبك تقلل من فرص التذبذب الكبير في الأسعار، وتدفع المتعاملين في السوق إلى توازن أوضاعهم”.
ويعد المكون الأكبر لدراسة تحليل المضمون هو البيانات الصحافية للمنظمة، وتغطي الورقة كل بيان صحافي ما بين مارس (آذار) عام 2002 إلى مارس عام 2021، مع التركيز على نشاط السوق وتصرفات المتعاملين فيه في فترات الاضطرابات بصورة خاصة. والنتيجة كما يقول الباحثون في الورقة “أن تحليلنا يشير إلى أن المتعاملين في السوق، يعتبرون أن بيانات “أوبك” توفر إشارات في غاية الأهمية لسوق النفط”.
الحفاظ على استقرار السوق
على عكس الاعتقاد السائد بأن المنظمة تعمل لصالح مجموعة الأعضاء من الدول المنتجة والمصدرة، فإن تحليل الدراسة يثبت حقيقة غالباً ما ترددها “أوبك” في الدفاع عن نفسها، وهي أنها تقدم بيانات شفافة، وذات صدقية لجميع الشركاء في سوق الطاقة من منتجين ومستهلكين، ومصدرين ومستوردين، وتجار ومتعاملين، وأن الهدف الأول هو الحفاظ على استقرار أسواق النفط وموازنة العرض والطلب، وليس تحديد الأسعار كما يتهمها البعض أحياناً في أوقات أزمات الطاقة.
ربما هذا وجه الخلاف بين “أوبك” ووكالة الطاقة الدولية التي تمثل مصالح عدد من الدول الصناعية المستهلكة للطاقة، وتقدم رسائل دورية لأسواق الطاقة أيضاً، وفي الآونة الأخيرة أصبحت الوكالة تستهدف بصورة مباشرة في بياناتها وتصريحاتها منظمة “أوبك” بطريقة أقرب لتصرفات السياسيين منها إلى الاهتمام بأسس السوق والحفاظ على استقراره.
من أهم نتائج الدراسة، التي ترد بالتحليل العلمي دون أي مزايدات سياسية، أن رسائل “أوبك” الدورية تؤثر أكثر في حفاظ المتعاملين على مراكزهم في السوق، أكثر من تأثيرها في تذبذب الأسعار، والأخيرة هي التهمة التي غالباً ما يرددها منتقدو المنظمة في أوقات الأزمات.
يمتد التأثير في مراكز المتعاملين على أوسع نطاق، من تجار عقود النفط المستقبلية، إلى مديري الثروات الذين يستثمرون في سوق الطاقة، وذلك بالطبع إلى جانب المتعاملين في النفط الخام نفسه من منتجين وتجار وشركات تكرير ومستخدم نهائي للمشتقات.
هدف استقرار سوق النفط
وفي خلاصة التحليل، يقول الباحثون الذين أعدوا الدراسة لمجلس محافظي الاحتياط الفيدرالي، “عامة، تشير نتائج تحليلنا إلى أن رسائل “أوبك” مؤثرة وفاعلة. في البداية ومن جانب أهم، فهي تحقق هدف استقرار سوق النفط، بتقليل فرص تذبذب الأسعار في عقود الخام المستقبلية، ويبدو التأثير أكبر في العقود الطويلة الأجل، مما يعني أن رسائل “أوبك” تلعب دوراً في تحديد شروط العقود المستقبلية، وبما أن التفويض الأساس للمنظمة هو الحفاظ على استقرار سوق النفط، فإن نتائج تحليلنا تقدم الدليل على أن “أوبك” تحقق هدف هذا التفويض، ويوفر ذلك دليلاً إضافياً على أن رسائلها مهمة وذات صلة”. ويختتم هؤلاء خلاصة دراستهم بالقول، “في النهاية، تبدو بيانات “أوبك” توفر رسالة ذات صدقية، وتزداد قوة تلك الرسالة في وقت تعلو فيه الضوضاء من الرسائل الخاصة”.
أما أهمية تلك الدراسة، فليست فقط في التحليل العلمي المحايد لمضمون ما يصدر عن المنظمة فحسب، وإنما الرد بصورة غير مباشرة على كل الاتهامات والانتقادات التي تطاولها، بخاصة بعد توسع دورها بالتحالف مع منتجين من خارجها في تحالف “أوبك+”، فمنذ تكوين التحالف عام 2016 والحملات لا تتوقف على “أوبك”، ليس فقط من السياسيين في أوقات اضطراب أسواق الطاقة، ولكن من منظمة رصينة مثل وكالة الطاقة الدولية.