داخلياً، تواجه إيران نقاشاً استراتيجياً بين مؤسسات النظام وشخصياته ومجموعة من النخب، حول كيفية التعامل مع الضغوط الأميركية.
حسن المصطفى
المصدر: “النهار”
أثناء اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في واشنطن مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أعلن أن المملكة سوف تبذلُ “قصارى جهدنا للمساعدة في التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران”، مضيفاً: “نعتقد أن من مصلحة مستقبل إيران أن يكون لديها اتفاق جيد يرضي المنطقة والعالم والولايات المتحدة”، ومجدداً تأكيده: “سنبذل أقصى جهودنا لرؤية ذلك اليوم يتحقق”.
يحمل هذا الحديث رسائل مهمة، فالسعودية لا تتدخل في مفاوضات الآخرين بشكل مباشر يؤثر عليها سلباً، لكنها ترى أن أي اتفاق يخص إيران سينعكس مباشرة على استقرار الشرق الأوسط الذي تمثل المملكة إحدى دوله الرئيسة، وبالتالي فهي مستعدة لتهيئة البيئة السياسية التي تُساهم في منع الانفجار وفتح مسار عقلاني بين واشنطن وطهران، يحفظ مصالح الدولتين ولا يتعارض مع أمن دول الإقليم ومصالحها.
هذا التوجه ليس عارضاً، بل يأتي امتداداً لاستراتيجية سعودية بدأت منذ توقيع “اتفاق بكين” عام 2023، وتقوم على تخفيف الاستقطاب الإقليمي وتحويل الخليج العربي إلى مساحة استقرار مهيأة للتنمية، وتقليل تكلفة المواجهات التي عطلت الاقتصاد لعقود.
في المقابل، بنى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطابه في اللقاء نفسه على منطق القوة، مؤكداً أن إيران “تريد الاتفاق بشدة” وأن واشنطن “بدأت عملية معها”! ورغم أن هذا الموقف يختلف في لغته عن خطاب ولي العهد، في اللغة المستخدمة وشدتها، إلا أنه يشير إلى حقيقة واحدة، وهي أن كلاً من الرياض وواشنطن تدركان بشكل واضح أن لحظة التفاهم مع طهران باتت ممكنة – خصوصاً بعد التغيرات المفصلية التي شهدتها المنطقة – لكن عبر منهجين مختلفين، تبعاً لسياسات كل دولة وطرائق عملها.
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في 12 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، بعث برسالة إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تسلمها وزير الداخلية الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف. ووفق بيان الخارجية الإيرانية فهي “ثنائية بحتة” وتتناول تنسيق شؤون الحج.
على رغم هذا الطابع الإداري – التنظيمي المعلن، فإن الرسالة في ذاتها تعكس رغبة إيران في تعميق مسار العلاقات مع السعودية، لمعرفتها بمكانة الرياض وأدوارها الإقليمية النشطة في ترسيخ السلم والتنمية، من دون أن يشير ذلك إلى طلب وساطة أو انخراط مباشر من طهران في ملف واشنطن!
داخلياً، تواجه إيران نقاشاً استراتيجياً بين مؤسسات النظام وشخصياته ومجموعة من النخب، بشأن كيفية التعامل مع الضغوط الأميركية. فالمتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي ينفي وجود أي “مسار تفاوضي” مع واشنطن، ويُحمّل الإدارة الأميركية مسؤولية “فرض الإملاءات”. لكن هذا التصريح الرسمي لا يعكس كل الصورة، فثمة تيار داخل “الدولة” يرى ضرورة استثمار الفرصة الراهنة.
الديبلوماسي السابق حميد أبو طالبي، عبّر عن ذلك بوضوح عبر حسابه في منصة “إكس” حيث كتب “إن مستقبل الأمن القومي الإيراني والاستقرار الإقليمي يعتمد اليوم، أكثر من أي وقت مضى، على جودة اتخاذ القرار في هذه اللحظة”، في رسالة وجهها إلى الرئيس مسعود بزشكيان، حثه فيها على أهمية رصد التغيرات الدولية بشكل صحيح، والتعامل معها وفق عقلية مرنة، معتبراً أن العودة إلى مرحلة “أمننة” الملف الإيراني في مجلس الأمن قد تكون مكلفة سياسياً واقتصادياً.
ثمة فرصة سياسية تتشكل، وإذا استطاعت القيادة الإيرانية تحويل هذه اللحظة إلى فعل حقيقي سياسي بضمانات عملانية ملموسة متبادلة، فإن الشرق الأوسط قد يدخل مرحلة تنتقل فيها المنطقة من إدارة الأزمات إلى إدارة الاستقرار، مع دور سعودي محوري في دعم التنمية وبناء السلام.

