اخبار سياسية

دعوات انفصال ألمانيا عن أوروبا بين شعبويّة مؤيّدة وواقعيّة رافضة

مظاهرة معارضة لحزب البديل من أجل ألمانيا في برلين

لا يتوانى حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي عن تأييده لتنظيم استفتاء لخروج البلد صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا من الاتحاد الأوروبي “ديكست”، على غرار ما حصل في بريطانيا عام 2016 “بريكست”، وهذا ما عادت وأكدت عليه أخيراً الزعيمة المشاركة للحزب اليميني الشعبوي أليس فايدل في تصريحات صحافية.

ووسط الدعوات المتصاعدة، تحذر أصوات عقلانية من مخاطر وعواقب وخيمة إذا حدث مثل هذا الانفصال على الاقتصاد، إضافة إلى كلفة مدمرة اجتماعياً وأمنياً على البلاد.

طرح غير واقعي 

على وقع ألعاب المحاكاة التي تمارسها قيادة البديل، والمطالبات بترك برلين للاتحاد الأوروبي والعودة إلى عملة “المارك”، اعتبر الباحث الاقتصادي والاجتماعي أندرياس هيرتو في تحليل مع موقع “فوكوس” أن فكرة خروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي لا تحظى بدعم سياسي أو شعبي كاف، على اعتبار أن هذا الطرح غير واقعي ولا مزاج له بين السكان، وجميع الدراسات الاستقصائية تفيد بأن الأغلبية ضد هذه التوجهات. وكل ذلك من منطلق أن الاتحاد الأوروبي لا يزال فكرة عظيمة قدمت ولا تزال تقدم مساهمتها في السلام والحرية والازدهار. 

من جهة أخرى، رأى هيرتو أن الانتقادات الحالية الموجهة ضد الاتحاد الأوروبي أمر مفهوم، مبرزاً أن الأحزاب الشعبوية على وجه الخصوص عادة ما تختبر باستمرار ما إذا كان من الممكن استخدام “ديكست” كقضية محتملة للفوز بمزيد من أصوات الناخبين. وبطبيعة الحال، من غير المنطقي فصل العواقب الاقتصادية عن العواقب الاجتماعية والسياسية والأمنية، إلى تلك المتعلقة بانهيار المؤشرات الإيجابية في الأسواق. ووفق رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية مارسيل فراتسشر، فإن خطط البديل ستؤدي في النهاية إلى المزيد من الإنفاق الاجتماعي.

ألمانيا محرك اقتصادي لأوروبا

وعن حجم الأثر الاقتصادي الذي قد يخلفه ديسكت على ألمانيا والاتحاد الأوروبي، اعتبر هيرتو أنه لا يمكن وصف هذه التبعات إلا وفق سيناريوهات تعتمد أولاً على الظروف الدقيقة للانفصال، وعندها سيكون من غير المؤكد تماماً ما إذا كان التكتل ومنطقة اليورو سينجوان من انسحاب المحرك الفعلي والأساسي للاقتصاد على المدى المتوسط أو الطويل. وشدد هيرتو على أنه “يجب ألا يغيب عن البال أن ألمانيا “ليست جزيرة على الحافة” (على غرار بريطانيا)، فهي تشكل الركيزة الأكثر أهمية للاستقرار الأوروبي. وعليه، لا يمكن عدم الاكتراث لما ستؤدي إليه ردود الأفعال، والتسبب في تعثر طبيعة الحركة التجارية والاقتصادية الأوروبية بوجه عام”.

آثار بالداخل والخارج

من جهة ثانية، وإذا ما أردنا اقتصار المنظور على المستوى الاقتصادي البحت، فإن علامة الاستفهام الأولى سوف تتمثل في السوق الداخلية الأوروبية، حيث تبيع ألمانيا أكثر من 54% من صادراتها هناك. وإذا ما تكرس في وقت ما “ديسكت”، فإن على ألمانيا اتخاذ ترتيبات مناسبة، مع ما يحمله ذلك من مخاطر ظهور الحواجز التجارية والتعريفات الجمركية، وبعبارة أكثر بساطة سينتج من ذلك تراجع كبير في الصادرات وستتضاءل القدرة التنافسية للشركات الألمانية. هذا بالإضافة إلى التراجع المحتمل للنشاط الاقتصادي وفقدان الثروة، حتى أن الاستثمارات ستتراجع في البلاد وسيعاني سوق العمل.

وفق تقديرات معهد الاقتصاد الألماني في كولن، والمقرب من أصحاب العمل، فإنه على افتراض خسارة النمو بنسبة 5 بالمئة في البلاد، فإن ذلك يعني تراجع عدد الوظائف نحو 2,2 مليون وظيفة. وهذا بدوره سيكون له تأثير على التوظيف والرخاء العام والثقافة السياسية والعمل الجماعي في البلاد.

واستناداً إلى ما سبق، هناك قناعة لدى خبراء اقتصاديين بأن حزب البديل اليميني الشعبوي وعلى عكس ما يدعي، هو ليس حزباً لأصحاب الدخل المحدود، وسيستفيد أصحاب الدخل الأعلى على وجه الخصوص من خططه الضريبية.

وفي الإطار، أفاد مدير معهد الاقتصاد الألماني ميشائيل هوتر، في حديث مع صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ”، بأن خروج ألمانيا سيلحق بالاقتصاد خسارة ما بين 400 إلى 500 مليار يورو، وبالتالي خسارة آلاف اليوروات من الثروة للفرد.

وعن إمكانية مقارنة ديكست” بـ”بريكست”، يشير خبراء إلى أن هذه المقاربة “غير قابلة للصرف” نظراً لموقع ألمانيا في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو… وهناك صعوبات كبيرة، لا سيما في ما يتعلق بإبرام الاتفاقيات الدولية بشكل مستقل، بينها مثلا إلغاء القيود التنظيمية.

وهنا، تبرز أيضاً مخاطر حرية تنقل الأشخاص، مع ضرورة استعادة ضبط الحدود المفتوحة مع جيرانها من الأوروبيين، وهذا ما سيفاقم النقص الحاد في العمالة في البلاد. وأبرز الخبراء أن بريطانيا لا تزال تعاني – رغم كل الآمال التي كانت معقودة للمكاسب الاقتصادية – عن انسحابها من التكتل الأوروبي، ولغاية الآن لم تتمكن من تحقيق أهدافها الخاصة أو حتى الوفاء بوعودها لسكانها، وهناك الكثير من خيبة الأمل بعد اعتبار غالبية البريطانيين أن استفتاء الخروج كان “محطة فشل”.

“خيارات مدمرة” لليمين المتطرف

وأمام دعوة وزيرة الداخلية نانسي فيزر أخيراً الشركات لاتخاذ موقف واضح ضد حزب البديل، مع تحذيرات من أن مناخ الانقسام والاستياء الذي يثيره اليمين الشعبوي يمنع العمال المؤهلين تأهيلاً عالياً والعمال المهرة من الخارج بالقدوم إلى البلاد، يبدو واضحاً أن هناك الآن وعياً متزايداً في عالم رجال الأعمال بأن طروحات البديل تضرب الاقتصاد وتهدد أعمالهم وصادراتهم.

وفي السياق، حذر أرندت كيرشهوف رئيس رابطة جمعيات الأعمال الحكومية، والتي تضم 129 جمعية وحوالي 80 شركة ونحو 3 ملايين موظف في ولاية شمال الراين فستفاليا، وهي إحدى أكبر الولايات الألمانية، من التصويت تصويتاً غير مباشر لمصلحة حزب البديل في الانتخابات الأوروبية، ومعرباً في بيان صادر الأربعاء في ديسلدورف، أن الانتخابات الأوروبية يجب ألا تصبح تحت أي ظرف من الظروف “انتخابات احتجاجية مدمرة”، ومبيناً أن “الأحزاب المتطرفة في أوروبا ليست مهتمة بجعل أوروبا أفضل.. إنهم يريدون تدميرنا”.

ووفقاً لكيرشهوف، فإن خروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون بمثابة مهمة انتحارية تقضي على اقتصادها. ودعا دول التكتل ليكون موقفها موحداً وقادراً لمواجهة الضغوط الداخلية والخارجية في ضوء التحديات الجيوسياسية. وخلص إلى أنه لا يمكن أن يكون في ألمانيا اقتصاد قوي، إلا بوجود أوروبا قوية.

ومن هذا المنطلق أيضاً، اعتبر مراقبون أن العالم يعيش حالياً فترة انتقالية سيتحول فيها ميزان القوى العالمي على المدى البعيد، والزمن المتغير سيتحدد بنتيجته أي قوى ستتولى الأدوار في المستقبل… ومن المؤكد أن هناك شكوكاً حالياً حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادراً على التعامل معها.