ابراهيم شير
يوم العاشر من شباط – فبراير الذي اسقطت فيه الطائرة الاسرائيلية بعد خرقها الاجواء السورية بات يوما مفصليا ومرحلة جديدة في تاريخ الحرب السورية، وما قبله ليس كما بعده لان جميع الخطوط الحمراء التي وضعت او تم التلميح لها خرقت، الحادثة تشبه الى حد كبير ما حدث في لبنان عام 2006، اي عندما علم حزب الله بوجود تحرك اسرائيلي لاستهدافه باغتهم وقام بعملية الاسر، والامر نفسه حدث الان، فعندما علمت الدولة السورية بوجود خطة اميركية اسرائيلية لاستهداف القواعد العسكرية في وسط البلاد تحديدا، فقامت باستدراج الطيران الاسرائيلي لفخ محكم لم ينجوا منه.
اسقاط الاسرائيلية واعطاب طائرتين لا يمكن فصله ابدا عما جرى في الايام الاخيرة في الساحة السورية، فمنذ ايام كانت هناك غارة اميركية على قوات عشائر سورية اشتبكت مع ما تسمى بـ”قوات سوريا الديمقراطية” في دير الزور، وهذا الاستهداف قابلته دمشق ببيان شديد اللهجة واكدت فيه ان هذه القوات تقاتل “داعش” و”قسد” على حد سواء، وهي المرة الاولى التي تكون بها دمشق صريحة وتؤكد ان “قسد” ستكون الهدف المقبل، وكانت المعلومات الواردة من سوريا تؤكد ان هناك عملية لتجهيز المطارات العسكرية في حمص والبادية بمنظومات حديثة من الدفاع الجوي للانتقال لمرحلة جديدة في مواجهة اميركا ان دعت الحاجة، وهنا كان لاسرائيل دور بان تستهدف هذه المطارات تحديدا، وقامت دمشق بجرها الى الكمين المحكم، لان اطلاق الصواريخ من فوق الاراضي اللبنانية او الجولان السوري المحتل، لم تعد تعطي نتيجة، وبات من المحتم على اسرائيل الزج بطائراتها الى الساحة. وبحسب مصادر رفيعة في دمشق فأن القيادة السورية قد اتخذت قرارا منذ العام الماضي باسقاط اي طائرة اسرائيلية قد تخترق اجواء البلاد، ومنذ ذلك الحين لم تدخل اي طائرة، وعندما دخلت الان كان هذا هو الرد.
اسقاط الطائرة الإسرائيلية له مجموعة ادوار ايجابية لصالح دمشق، اولها اثبت قدرة الجيش وجهوزيته المعنوية والعسكرية للتصدي والدفاع عن البلاد. اما ثانيا التأكيد على ان القرار الاساسي للدولة السورية هو المواجهة مع اسرائيل، وان دمشق لم لن ترضخ للضغوطات الخارجية بالمهادنة، وانها قد تقبل من روسيا مثلا التدخل بتعيين وزراء من المعارضة او تعديل الدستور ولكن في المواجهة مع اسرائيل فلن تقبل التدخل من احد، بالاضافة الى ان زيارات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الى موسكو المتكررة بخصوص هذا الهدف قد فشلت. ثالثا رسم خطوط حمراء جديدة لإسرائيل، وتغيير قواعد الاشتباك معها، والتي بقيت جامدة طوال اكثر من اربعة عقود. اما رابعا فتح الباب أمام تصفية المسلحين في الجنوب، ونسف منطقة خفض التصعيد الا اذا تدخلت موسكو لانهاء وجود المسلحين مقابل ضمانات من دمشق بعدم التصعيد ان لم تصعد اسرائيل. وخامسا وهو المهم ضرب التوازن الاستراتيجي في المنطقة.
هذا الانجاز اليوم يحسب دون ادنى شك للدولة السورية، التي استطاعت طوال الاعوام السبعة الماضية، من تطوير منظومات الصواريخ والدفاع الجوي لديها رغم الحرب الضروس التي تخوضها، واستطاعت تقديم هدية لموسكو وهي، بانها اسقطت طائرة حربية اسرائيلية F16 وهي فخر الصناعة الاميركية بصاروخ روسي، وهو رد على ما قام به المسلحون في ادلب باسقاط طائرة سوخوي فخر الصناعة الروسية بصاروخ اميركي، وهو امر مهم جدا لمصانع الاسلحة في العالم.
الايام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجئات على جميع الاصعدة، ولكن اجمل من خبر اسقاط طائرة اسرائيلية، لن يفرح قلب اي مواطن عربي خصوصا في هذه الايام التي نعيشها، في ظل تطبيع بعض الانظمة العربية سرا وعلنا مع الاحتلال الاسرائيلي، واعتراف الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال، وفي ظل هذه الاجواء تصر دمشق على المواجهة والمجابهة مع الاحتلال ودعم اي مقاوم يقف بوجهه.