مقالات

دور لمصر في السودان؟

خيرالله خيرالله

خيرالله خيرالله

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مستقبلاً رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان (أ ف ب)

حدثان سودانيان مهمّان في الأيام القليلة الماضية. الأوّل وصول رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان إلى العلمين وإجراؤه محادثات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي. الحدث الآخر، كان البيان الذي أصدره قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي) وتركيزه على قوى المجتمع المدني التي اقتلعت نظام عمر حسن البشير الذي استمر ثلاثين عاماً. التقى البرهان و”حميدتي” عند رفض بقاء الجيش في السلطة. هل يفتح ذلك نافذة لتسوية سياسية في السودان تحول دون توجه البلد إلى أن يكون صومال آخر؟ أعاد قائد قوات الدعم السريع، وهو الطرف الآخر في الحرب الدائرة في السودان، التذكير بالقوى السودانية التي ثارت على نظام عمر حسن البشير، الذي كان واجهة للإخوان المسلمين، ابتداء من أواخر العام 2018. قال في هذا المجال إنّ “الحقيقة الكبرى في السودان منذ كانون الأول (ديسمبر) 2018  هي الثورة الظافرة التي أزالت نظام البشير وعناصر النظام القديم من السلطة وفتحت الباب واسعاً لبناء دولة جديدة ديموقراطية في السودان”. تطرق في هذا المجال إلى أنّ “هذه الثورة قادتها قيادات ومنظمات سياسية ومدنية ومهنية ومسلحة معروفة بالتزامها الذي لا يتزحزح بقضية التغيير والتحول الديموقراطي”. لم ينس دور المرأة في التصدي لنظام البشير ،الذي وصفه بـ”الإيديولوجي”، وفي “اسقاطه”. ظاهراً، يتحدّث قائد قوات الدعم السريع عن رؤية  لـ”الحل الشامل” في السودان وتأسيس “الدولة الجديدة”. دعا إلى قيام “حكم ديموقراطي مدني” و”جيش واحد كأساس لحل الأزمة في السودان”. هل لا يزال ذلك ممكناً في السودان أم أن مصير البلد سيكون كمصير الصومال الذي تفتت منذ انهيار نظام محمد سياد بري في مطلع تسعينات القرن الماضي. في الواقع، يتجه السودان إلى الصوملة على غرار ما حصل في اليمن. كلّما مرّ الوقت، كلّما زاد الوضع الداخلي السوداني تعقيداً. اللهم إلّا إذا كانت مصر ستتمكن من لملمة الوضع تمهيداً لمرحلة جديدة فيها حكومة جديدة.  اعتبر “حميدتي” “النظام الفيديرالي الأنسب لحكم السودان” قائلاً إنّه “يجب أن تكون المشاركة السياسية شاملة لجميع المكونات”. كما “يجب مشاركة جميع حركات الكفاح المسلح في أي حل سياسي”. وفقاً للرؤية التي يتحدّث عنها “حميدتي”، هناك تشديد من قوات الدعم، على “ضرورة البدء في المرحلة الانتقالية والتحول الديموقراطي” وعلى أنّ “تحقيق السلام في السودان يتطلب وقف عنف الدولة ضد المواطنين”، كما “يجب الإقرار بضرورة  تأسيس جيش سوداني جديد وبناء مثل هذا الجيش”. هل بقي مجتمع مدني في السودان بعد حرب مستمرّة منذ منتصف نيسان – (أبريل) الماضي؟ الجواب أنّ هناك شكوكا في ذلك في ضوء العجز عن وقف المعارك أوّلا وعودة قوات الجيش التي يقودها عبد الفتاح البرهان وقوات التدخل السريع إلى ثكناتها. ثمة حاجة إلى إيجاد صيغة تفاهم بين البرهان و”حميدتي” كي تكون هناك نقطة بداية في اتجاه تسوية سياسية ما. هذا أمر يبدو، من دون ضغط خارجي، من رابع المستحيلات في الوقت الراهن

يخشى أن يكون فات أوان الحل السياسي في السودان، على الرغم من تطرّق “حميدتي” إلى أن “قضايا التفاوض تشمل، من وجهة نظرنا، لكنها لا تنحصر، في بناء جيش جديد قومي مهني واحد، والفترة الانتقالية والحكم المدني الانتقالي والسلام الشامل والعادل المستدام والنظام الفيديرالي وهياكله ومستوياته وسلطاته وقسمة الموارد والعدالة الإنتقالية وإجراءات التحول الديموقراطي مثل الانتخابات وقضية التعداد السكاني”. ذهب إلى حد التطرق إلى “قضية الفصل بين الدولة والإنتماءات الهوياتية الضيقة سواء أكانت دينية أو ثقافية أو عرقيّة (…) وعملية صياغة الدستور”. ظاهراً، يبدو الكلام الصادر عن أحد طرفي الحرب السودانيّة كلاماً منطقياً جميلاً ومعقولاً وعصرياً. كذلك، يبدو كلام البرهان في العلمين عن رفض بقاء الجيش في السلطة كلاماً منطقياً. المهمّ أن تتمكن مصر من ترجمة منطق “حميدتي” ومنطق البرهان إلى واقع على أرض السودان.   تبقى المشكلة الكبرى في حاجة السودان إلى الفصل بين الجيشين اللذين يخوضان حرباً عبثيّة لا أفق سياسياً لها. لا توجد، إلى اشعار آخر، قوة قادرة على الفصل بين الجيشين في وقت لم تلد بعد قناعة لدى البرهان أو “حميدتي” بأن ليس في استطاعة أي منهما الانتصار على الآخر. يبدو أن مأساة السودان، على الرغم من الأهمّية الكبيرة للبلد، ذات شقين. الأوّل غياب الاهتمام الدولي به والآخر غياب القوّة الخارجية القادرة على التدخل لوضع حدّ للمعارك الدائرة. هل تلعب مصر دوراً في التوصّل إلى هدنة يمكن أن تؤدى إلى مرحلة انتقالية تتوج بقيام حكم مدني؟ على الرغم من حدثي زيارة البرهان لمصر والبيان الصادر عن “حميدتي” يظلّ التشاؤم بمستقبل السودان في محلّه. جاءت حربه في وقت تبدو كلّ من الدول الكبرى منشغلة بأمور خاصة بها، خصوصا مع اندلاع الحرب الأوكرانيّة ومع التطورات في افريقيا حيث دول عدّة، بينها النيجر وافريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو صارت خارج السيطرة، باستثناء بعض السيطرة لمرتزقة مجموعة “فاغنر” الروسيّة التي فقدت أخيرا قائدها يفغيني بريغوجين. كان لـ”فاغنر” وجود في السودان، وهو وجود ليس معروفاً هل يستمرّ أم لا، في ضوء ما حل ببريغوجين.

admin