ليست مصادفة أن يكون معظم سياسيي ووزراء إسرائيل من العسكر على رغم أنها تدعي الديمقراطية في وقت لم يمر على أميركا وفرنسا سوى جنرالين فقط
يتولى إدارة إسرائيل حكومات متعاقبة من العسكريين الذين يسيطرون على غالبية المقاعد الوزارية والسياسية (أ ف ب)
على مدى 50 عاماً أفشل قادة إسرائيل مبدأ “الأرض مقابل السلام”، وبدلاً من هذا المبدأ العادل، طرحوا أفكاراً التفافية مثل “الأمن مقابل السلام”.
رئيس الكنيست الأسبق ياريف ليفين توجه في إحدى الجلسات إلى رئيس وزراء إسرائيل الحالي بنيامين نتنياهو وقال إن “مبدأ الأرض مقابل السلام ليس إلا مسخرة”، وعلى رغم كل ما يحصل اليوم، لا توجد بارقة أمل في أي عملية تفاوضية ممكنة، خصوصاً بعدما نعى قبل أيام نتنياهو وعدد من وزراء “حكومة الحرب” مبدأ “حل الدولتين“.
أقصى ما تقبل به إسرائيل ترتيبات أو اتفاقات تعود وتفخخها أو تثقلها بشروط تعجيزية، والخطر القائم والوضع القاتم سببهما أن تل أبيب تريد للصراع أن يبقى في دائرة التاريخ، فلا ينتقل إلى رحاب الحلول السياسية، وكيف يمكن الكلام على “سلام دائم” بوجود دولة “الحروب الأبدية”؟
بعد حرب 1967 قال وزير الدفاع آنذاك موشيه ديان وبغطرسة المنتصر “إننا ننتظر مكالمة من العرب”، بمعنى تعالوا واعترفوا بأننا أقوى منكم، وتصرفوا على هذا الأساس، ومن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إلى الحالي جو بايدن تنقل كتب مذكرات مسؤولين في الإدارة الأميركية أقذع العبارات في حق نتنياهو.
دنيس روس أحد أكثر المسؤولين الأميركيين انخراطاً في المفاوضات بين العرب وإسرائيل، وصف أول زيارة لنتنياهو إلى واشنطن بعدما أصبح رئيساً للحكومة كالتالي “في اجتماعه مع الرئيس كلينتون كان لا يطاق وهو يحاضر فينا ويلقننا كيف ينبغي التعاطي مع العرب، بعد مغادرته لم يجد كلينتون مناصاً من القول إنه يظن نفسه القوة العظمى ونحن طوع بنانه”.
قبله الرئيس ريتشارد نيكسون صرح مرة بأن إسرائيل “لا تملك أي قيمة استراتيجية لأميركا”، وفي تسجيل صوتي يعود إلى عام 1973 وكشفته فضيحة “وترغيت” لم يتورع عن القول “اليهود هم فقط شخصيات عدوانية وعنيفة وبغيضة”، وفي عام 1992 سأله الصحافي الشهير تيد كوبل “لماذا إذاً نتورط بدعمهم وبدفع الأموال لهم”؟ قال نيكسون، لسببين هما المحرقة النازية، وديمقراطية دولتهم.
على ضوء سلوك إسرائيل منذ نشأتها عام 1948 مسألة ديمقراطيتها ملتبسة، فقد تملك الدول الديمقراطية مشروعية شن حرب تستمر لعام أو 20 عاماً، ولكن دولة “حروب أبدية” هل حقاً تقع ضمن الدول الديمقراطية؟ هنا المأزق الوجودي لدولة معسكرة لم تبلغ بعد 80 عاماً، وكلما اختل ميزانها العسكري تعتبر أنها قادرة على تصحيحه، هذا ما حصل خلال حرب 1973، وهذا ما تسعى إليه بعد “طوفان الأقصى”.
ليست مصادفة أن يكون معظم سياسييها ووزرائها من العسكر، أميركا وفرنسا من بين أهم الدول الديمقراطية، مر في تاريخهما المعاصر جنرالان دوايت أيزنهاور وشارل ديغول، حكماً في مراحل معينة، ولم يشكلا سابقتين في بلديهما حتى اليوم، وفي الميزان العسكري تحقق إسرائيل نقاطاً على جبهات القتال الأبدي في الشرق الأوسط، ولكن ماذا بعد؟
لم يحقق أي انتصار عسكري “سلاماً سياسياً دائماً”، عربياً وإسلامياً لم يحصل منذ قيام إسرائيل أي خرق نفسي يبدد الاقتناع بأنها “الكيان الدخيل”، في أفضل الأحوال ينظر إليها كدولة “أمر واقع”، ولا يوجد واقع لا يتغير، مهما كان “إسبارطياً”.
جورج كليمنصو وهو أحد أهم زعماء فرنسا في بداية القرن الـ20 له قول شهير “الحرب مسألة خطرة جداً لذا يجب ألا يعهد بقرارها للعسكريين”، وهذا الأمر لا يبدو ممكناً مع التوصيف السائد وهو أن إسرائيل كناية عن “جيش يملك دولة”.