ديمقراطية الشتيمة..!

1

كتب / قاسم العجرش…

سألته لِمَ تشارك في التظاهرات؟ قال لي: لأني أريد أن أزيح غما جثم على الصدر، أطلق صيحات ألمي، التي لا يسمعها إلا أنا، وفي أفضل الحالات يسمعها من هم بقربي!

قلت له: لكن صوتك يذوب حيث بين طيات الشتائم العالية!

قال لي موافقا: صيحتي أنتهت كما هي دوما في حنجرتي، لأن المسافة بينها وبين مصيري، بقدر المسافة بين الزفرة الصادرة من صدري وحلقي، وحين تتسلق الصيحات من الحنجرة الى الشفة، تحتاج الحرية الى توصيف جديد!

قلت له: ليس للكلمة الحبيسة من معنى، وليس للصيحات والصراخ أيضا من معنى، فهما مثلهما مثل ماء الصائمين تذهبان سراعا ولن تعودا، ولذلك هل يمكن أن نحترم من يُستخدمون كرأس حربة، للهجوم بالسّبّ والشّتم نيابة عن محرّكيهم، الذين يحركونهم كدمي في مسرح العرائس، أو كقطع مصغرة في رقعة الشطرنج؟!

قال لي: سأحكي لك قصة؛ حينما عدت من ميدان التظاهر الى بيتي غفوت، كنت بالحقيقة أراجع نفسي؛ وأستذكر عمري فيم أفنيته؛ متصيدا مساحات النقاء، وفي غفوتي سألني ضميري مؤنبا، هل سمعت الشتائم؟! قلت لضميري: نعم وأنا أيضا شتمت!

ثم أردف قائلا: صحوت فإذا بي أمام كارثة، إذ أن ضميري بات مثقبا، وشككت أن ثلثيه قد ضاعا، مع ما أضاع الشتامون من حقنا!

ومضى يقول وهو يدخن السيكارة تلو الأخرى: لم يغادرني ضميري لحظة، بقي يسألي بكم وافر من الأسئلة، معظمها ستبقى بلا إجابات، ليس لأنها صعبة، بل لأن معظمها من النوع السهل الممتنع، الذي لا يحتاج الى تبريرات سطحيّة مخجلة!

ثم قال: قال لي ضميري مرة أخرى وثالثة ورابعة: هل أن الشتيمة شجاعة؟! قلت لضميري: بلى!..قال لي الضمير: تبا لك؛ إنها شجاعة الحمل الذي يشتم الذّئب من فوق صخرة عالية!، قلت له: ولكن السلطة تمترست خلف الكتل الكونكريتية، قال لي: وهل كانوا يشتمون السلطة؟! قلت له ياضميري: إن الذين شتموا، إنما شتموا وفقا لما أباحه لهم الدستور، فحق التظاهر مكفول، قال لي: بلى؛ هنيئا لكم بدستور الشتيمة!

بعد أن أنهى صديقي سرد حواريته، مع ضميره الذي كان أكثر وعيا منه؛ قلت له إسمع يا صديقي: إن الشتامين بالحقيقة أدعياء معارضة، يكمن الجبن في أعماقهم، رغم الأقنعة التي يختفون ورائها! فالجبن كامن في تناقض أفكارهم وتذبذب آرائهم، فما يتشدّقون به في العلن، يتناقض وما يثرثرون به الجلسات الخاصّة، وعبر رسائل الفيسبوك والموابيل، في رسائلهم ومقالاتهم المنشورة بأسماء مستعارة، وبحسابات الفيسبوك بأسماء فتيات!

كلام قبل السلام: التظاهر والتظاهرات والمتظاهرين، صرخات نقية بوجه الظلم والفساد، وسرقة قوت الشعب، والشتيمة ليست من النقاء بشيء!

 

التعليقات معطلة.