اعتبر موقع “ذا كونفيرزيشن” الأسترالي، يوم الأربعاء، أن قدرة الصين على الوساطة والتوصل الى اتفاق بين إيران والسعودية تشير الى تعاظم نفوذها في غرب آسيا، الا انه رأى ان ذلك لن يشكل حلاً لصراعات المنطقة، وان الاتفاقية بهذه الوساطة الصينية، قد تطرح المزيد من التحديات.
واوضح التقرير الاسترالي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، انه “بعد اكثر من 4 عقود من الصدام كعدوين لا يمكنهما التصالح على جانبي الانقسام السياسي والديني العميق في غرب آسيا، فان السعودية وايران اتفقتا على استعادة العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات، ووقعتا اتفاقهما في بكين، بعد 7 اعوام على انقطاع العلاقات الدبلوماسية بينهما بعدما اعدمت السعودية الشيخ نمر النمر”.
ووصف التقرير الاتفاق بين الرياض وطهران، بانه بمثابة “لحظة تغيير في اللعبة” في غرب آسيا.
وبرغم ان التقرير وصف الاتفاقية بانها تعتبر خطوة ايجابية، الا انه لا رأى انه يجب عدم الاعتقاد بتاتا انها ستنهي الصراع في المنطقة، حيث ان “القضايا الداخلية الخطيرة من الممكن ان تؤدي الى الصراع والعنف في اليمن والعراق ولبنان وسوريا”.
وتابع التقرير ان “التحديات الاقتصادية الخطيرة، دفعت السعوديين والايرانيين للانخراط في محادثات دبلوماسية على مدى السنوات القليلة الماضية من اجل اقامة نظام اقليمي اكثر استقرارا، مما يسمح لهما بالدخول في برامج اصلاحات داخلية”.
واشار التقرير الى ان “جذور التنافس بين الرياض وطهران تعود الى جذور متعددة، وقد تشكلت من خلال المخاوف الامنية وادعاءات الزعامة في العالم الاسلامي، والتنافس العرقي والطائفي، والعلاقات المتباينة مع واشنطن”.
واضاف التقرير انه “في كثير من الاحيان فان التحليل “الكسول” ربط التنافس بينهما بالصراع الطائفي بسبب الاحقاد القديمة، الا انه اعتبر ان مثل هذه القراءات للاحداث تنم عن تفكير استشراقي يتجاهل السياق والظروف الطارئة التي صاغت العلاقات بين الدولتين”.
ورأى التقرير ان “تواجد الهويات الدينية والعرقية والايديولوجية المشتركة في المنطقة دفع البعض للنظر الى الصراع في المنطقة من خلال منظار “الحروب بالوكالة”، مضيفا ان “فصائل مختلفة في اليمن وسوريا ولبنان والعراق والبحرين وغيرها اعتبرت بانها تابعة لموكليها في الرياض او طهران، مستدركا بالقول إن هذه النظرة تتجاهل الدوافع الداخلية للصراع والانقسامات، ما يفصل من رؤية التحليل إلى التصور المبسط حول ثنائية السنة والشيعة.
وبعدما اشار التقرير الى ان “الدول في انحاء المنطقة والتي تصطدم فيها مصالح السعودية وايران، تعاني من مجموعة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المعقدة الخاصة بها، تناول التقرير العراق، قائلا انه بعد الاطاحة بصدام حسين، برز في هذا البلد الصراع بين المجموعات المختلفة للسيطرة على الدولة، مضيفا ان “الاحزاب الشيعية التي تمثل الاغلبية، كانت عادة ما تفوز في الانتخابات بدعم من ايران، وهو ما كان يثير استياء السعودية”.
وتابع التقرير ان “التفكير في السياسة العراقية فقط على انها تمثل حربا بالوكالة بين جاريها، سيكون خاطئا، لان ذلك سيتجاهل مصادر القلق المحلية لكثيرين، والجهود التي تستهدف خلق مشهد سياسي يكون لصالح العراقيين وليس مجرد ساحة لزيادة قوة الرياض وطهران”.
وبالاضافة الى ذلك، قال التقرير، إنه “فيما يتعلق باليمن، فان السعودية وايران لعبتا دورا بارزا في الحرب الاهلية، غير ان العوامل الرئيسية للصراع هي محلية، حيث هناك صراع اكثر اتساعا حول الاراضي والسياسة ورؤى النظام والعشائرية والموارد والاختلاف الطائفي، مضيفا ان “تورط الرياض وطهران يعزز بطرق مختلفة، من هذه التوترات”.
وتابع ان “الدعم الايراني للحوثيين الذي هاجموا الاراضي السعودية، عزز من مخاوف المملكة، الا ان الحرب في اليمن، تعتبر نتيجة ايضا لتفكك الدولة وظهور عدة مجموعات مختلفة متنافسة على النفوذ في منطقة تعاني من تحديات بيئية خطيرة ونقص في الغذاء”.
وحول لبنان، قال التقرير، إن “لدى السعودية وايران اهتمام كبير بالسياسة اللبنانية، وتوفر ايران دعما لحزب الله والسعودية لتيار المستقبل، الا انه في الواقع، فان اي صراع في البلد يكون مدفوعا بالمنافسة بين الجماعات المحلية التي تسعى لفرض رؤيتها للنظام على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي”.
ولفت التقرير الى انه “من غير المعروف حتى الآن كيف ستؤثر المصالحة بين الرياض وطهران على المناطق التي تعاني من الانقسام، مضيفا ان هناك بالتأكيد إيجابيات بالنسبة للأمن الإقليمي، كما ن المصالحة تعزز امكانية إحياء الاتفاق النووي. الا ان التقرير اشار الى وجود تساؤلات حول طبيعة آليات المراقبة والتنفيذ التي وضعتها الصين”.
الى ذلك، قال التقرير، إن “الجانب الاكثر اثارة للاهتمام في كل هذا يتعلق بدور الصين في ما يجري”. واوضح انه “في الوقت الذي كانت الجهود الدبلوماسية التي تهدف إلى تحسين العلاقات بين الخصمين تدور منذ عدة سنوات، الا ان قدرة الصين على ابرام اتفاق من خلال هذه المحادثات، يشير الى تزايد تأثير بكين في المنطقة”.
وذكر التقرير بانه “كان للصين علاقات اقتصادية قوية مع ايران منذ فترة طويلة، ولكن في السنوات الماضية، سعت بكين لزيادة انخراطها مع الدول العربية، وخصوصا العراق والسعودية، الا ان تدهور العلاقات بين الخصمين الكبيرين في الخليج، اي السعودية وايران، كان له تأثيرات سلبية على الانخراط الصيني والاستثمار في غرب آسيا، سواء من خلال المشاريع في البنية التحتية او في “مبادرة الحزام والطريق”.
ولاحظ التقرير انه “برغم احتفاء واشنطن علنا بالمبادرة الصينية بين السعودية وايران، الا ان هناك مخاوف عديدة ازاء التداعيات الاوسع على الشرق الاوسط والسياسة العالمية”، مشيرا الى ان “هذا يحدث فيما يجري توتر في العلاقات بين الرياض وواشنطن، وهو ما بدا بشكل واضح خلال زيارة الرئيس الامريكي جو بايدن الى السعودية بعد انتقاداته الصريحة لسجل حقوق الإنسان في المملكة ونشر تقرير يؤكد أن ولي العهد محمد بن سلمان اعطى موافقته على عملية قتل الصحفي جمال خاشقجي”.
والى جانب ذلك، قال التقرير، إن “اسرائيل تشعر بالقلق ازاء الاتفاق السعودي الايراني، مثلما مثل الولايات المتحدة، اذ تعتبر ايران بمثابة العدو الابرز في المنطقة، وهو ما دفع الحكومات الإسرائيلية الى التوقيع على “اتفاقية ابراهام” في صيف العام 2020، والتي شملت تطبيع العلاقات مع الامارات والبحرين والمغرب، كتحالف استراتيجي ضد طهران”.
وتابع التقرير ان “حكومة نتنياهو حاولت دائما تحقيق التطبيع مع السعودية، وكانت تأمل في استخدام التهديد الايراني كوسيلة لتحقيق هذا الهدف”.
والى جانب هذه الملاحظات، قال التقرير إن “التسوية الصينية، تطرح تساؤلات حول مستقبل الأمن الاقليمي، موضحا ان واشنطن كانت دائما تعتبر الوسيط في النزاعات الاقليمية واعتبرت الضامنة الامنية من جانب إسرائيل والسعودية ودول الخليج الاخرى”.
والان، يقول التقرير إن “الخطوات الصين تشير الى أنها تسعى لإظهار نفسها بشكل اكثر حماسة في السياسة في المنطقة، حيث من المقرر ان تستضيف الصين اجتماعا لقادة الدول العربية والايرانية في وقت لاحق من هذا العام، مما يضع الصين بشكل قوي على الاقل كلاعب رئيسي في غرب آسيا”.
وختم التقرير بالقول إن “المصالحة بين السعودية وايران، ستساهم في تحسين النظام الاقليمي، الا انها لن تعالج اسباب الصراع في اليمن او في اي مكان اخر في انحاء المنطقة، بالاضافة الى انها تطرح العديد من القضايا الخطيرة حول الامن الاقليمي والنظام العالمي، واهمية الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومستقبل الدور الامريكي في غرب آسيا”.
وخلص التقرير الى القول إنه “برغم المبادرة الصينية تمثل خطوة إيجابية، الا انها ليست حلا لصراعات المنطقة، وهي اتفاقية قد تؤدي الى المزيد من التحديات الكبيرة لشعوب المنطقة”.