بعد تعافي أسهمها من تطبيق «ديب سيك» الصيني
في أول اجتماع بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا»، جينسين هوانغ، لصناعة الرقائق الإلكترونية، كان واضحاً أن الهدف الرئيسي منه مناقشة المخاوف بشأن نفوذ الصين المتزايد في الصناعة، مع أهمية تعزيز دور شركات التكنولوجية الأميركية.
مسؤولو الشركة قالوا إن الاجتماع كان مخططاً له قبل انهيار أسهمها التي عادت وتعافت جزئياً، بعد النجاح المفاجئ الذي حقّقه تطبيق «ديب سيك» الصيني في سوق الذكاء الاصطناعي.
قلق المستثمرين
خسرت «إنفيديا»، يوم الاثنين الماضي، ما يقرب من 600 مليار دولار من قيمتها السوقية؛ الأمر الذي أثار، ليس فقط القلق بشأن مستقبل الشركة، بل القدرة التنافسية لشركات التكنولوجيا الأميركية. وعبّر المستثمرون عن قلقهم من أن تصبح رقائق «إنفيديا» أقل أهمية إذا كانت هناك حاجة إلى عدد أقل منها لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة.
وذكرت وسائل إعلام أميركية أبدت اهتماماً باجتماع ترمب وهوانغ، أن إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا» الذي يتولّى مهام استشارية للرئيس، انضم إلى الاجتماع؛ مما يشير إلى الأهمية التي يوليها ترمب لهذا القطاع الذي سيكون من بين أكبر القطاعات التنافسية مع الصين، وأهمها من الناحية السوقية.
وقالت «إنفيديا»، في بيان: «لقد قدّرنا الفرصة للقاء الرئيس ترمب ومناقشة سياسة أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي». وأضافت أن «هوانغ ناقش والرئيس أهمية تعزيز التكنولوجيا الأميركية وقيادة الذكاء الاصطناعي».
وعدّ الاجتماع أحدث علامة على أن قادة شركات التكنولوجيا الأميركية يسعون إلى التأثير في إدارة ترمب الجديدة، بعد أن انتقد كثيرون السياسات التي انتهجها الرئيس جو بايدن للحد من المخاطر على السلامة والأمن القومي المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
اعتراض على قيود بايدن
لكن الكثير من الجمهوريين زعموا أن النجاح الذي حقّقه تطبيق «ديب سيك» يُظهر الحاجة إلى قيود أكثر صرامة على تصدير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى الصين. وأرسل زعماء الحزبين في لجنة مجلس النواب التي تركز على المنافسة الأميركية مع الصين رسالة يوم الخميس، يحثون فيها مايكل والتز، مستشار الأمن القومي لترمب، على تعزيز ضوابط التصدير، رداً على «ديب سيك».
وقال المشرعون إن الشركة الصينية استخدمت على نطاق واسع شرائح «إنفيديا» المصممة خصوصاً لتقع خارج ضوابط التصدير الأميركية. لكن الشركة انتقدت الجهود المبذولة لتعزيز ضوابط التصدير، بما في ذلك التحديثات الشاملة التي أجرتها إدارة بايدن قبل تنصيب ترمب مباشرة. وسعت الشركة إلى تصوير ترمب مؤيداً لسياسات الذكاء الاصطناعي التي تعزّز الابتكار، في حين اتهمت بايدن بـ«تجاوز الحكومة». وقالت في البيان: «نتطلّع إلى العودة إلى السياسات التي تعزّز القيادة الأميركية، وتدعم اقتصادنا، وتحافظ على قدرتنا التنافسية في مجال الذكاء الاصطناعي وما بعده».
وعدّ ترمب نجاح «ديب سيك» تطوراً إيجابياً لصناعة التكنولوجيا الأميركية؛ لأن جميع الشركات ستستفيد إذا تمّ تطوير التكنولوجيا بكفاءة أكبر. ووصف صعود التطبيق الصيني بأنه «جرس إنذار» لصناعة التكنولوجيا. لكنه قال إنه لا يزال واثقاً بقدرة وادي السيليكون على المنافسة على الساحة العالمية. وقال: «سنهيمن على كل شيء».
وبينما يتعامل ترمب مع الذكاء الاصطناعي باعتباره نعمة اقتصادية محتملة للولايات المتحدة، يستغل المديرون التنفيذيون والمستثمرون ذلك للدفاع عن سياسات قد تكون مواتية لأعمالهم. وهو ما جرى التعبير عنه في الزيارات واللقاءات الثنائية التي أجراها الكثير من رؤساء شركات التكنولوجيا لترمب قبل انتخابه رئيساً وبعده وخلال تنصيبه. وكان هوانغ هو آخر رئيس تنفيذي لم يلتقه ترمب شخصياً بعد.
خفض التكلفة مفيد
يأتي اجتماع ترمب وهوانغ في الوقت الذي تحقّق فيه الولايات المتحدة فيما إذا كانت شركة «ديب سيك» الصينية قد تهرّبت من قيود واشنطن على صادرات شرائح الذكاء الاصطناعي من خلال شراء أشباه الموصلات المتقدمة من «إنفيديا» عبر وسطاء في سنغافورة، حسبما ذكرت وكالة «بلومبرغ». وقالت الشركة الصينية إنها استخدمت شرائح «إنفيديا إتش 800» التي كان من القانوني تصديرها في عام 2023، في حين قالت «إنفيديا» إن «ديب سيك» لم تنتهك القيود. ومع ذلك، يواجه نموذج «آر1» من «ديب سيك» الذي يزعم مطوروه أنه حقّق نتائج مماثلة لتلك التي حقّقها الذكاء الاصطناعي الأميركي، تدقيقاً غربياً متزايداً. فقد حظرت إيطاليا تطبيق «ديب سيك» بسبب مخاوف بشأن بيانات المستخدمين، وقالت السلطات في فرنسا وآيرلندا إنها تخطط لاستجواب الشركة بشأن تدابير الخصوصية الخاصة بها.
ورغم ذلك، يرى خبراء التكنولوجيا في وادي السيليكون، بمن في ذلك الرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا» هوانغ، أن خفض تكلفة تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يحفّز الاستثمارات في رقائق الذكاء الاصطناعي؛ حيث يمكن لمزيد من الشركات تحمّل تكاليف نشر أنظمة الذكاء الاصطناعي. وبينما تظلّ شركته العملاقة معروفة بإنتاج رقائق متقدمة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، قالت «إنفيديا» إنها تكسب القدر نفسه من الإيرادات من الرقائق المنشورة لمعالجة طلبات المستخدمين للنماذج النهائية، وتتوقع ارتفاع هذا الطلب في المستقبل القريب، حسبما ذكرت «فاينانشيال تايمز».