محمود عبدالراضى
ليست السعادة في حسابٍ بنكيٍ يزداد، ولا في تصفيق يعلو، ولا في حقيبة سفر ممتلئة بالأختام، أعظم النعم في الحياة ليست مرئية ولا ملموسة، بل تُحسّ وتُعاش، إنها راحة البال، تلك النعمة التي إن امتلكتها، شعرت وكأنك تملك الكون دون أن تمد يدك.
راحة البال لا تُشترى، بل تُبنى، لبنة فوق لبنة، من قناعة صادقة، ونية طيبة، وخطوات لا تُخالف ضميرك، إنها ليست غياب المشاكل، بل الحضور الهادئ في منتصف العاصفة، هي أن تنام ليلك دون حسابات ثقيلة، وتصحو دون حاجة لتقنع العالم بشيء.
كم من ثري يملك الدنيا ولا يملك رأسه ساعة نوم؟ وكم من مشهور يختنق خلف ابتسامة تُبث على الهواء؟ وكم من موظف بسيط يحمل كيسًا بلا ماركة، لكن قلبه خفيف وكأن فيه جناحين؟
راحة البال ليست صمتًا، بل ضجيج مطمئن، ليست عزلة، بل انسحاب ذكي من معارك لا جدوى منها، هي أن تترك ما لا يعنيك، وتمضي في طريقك كأنك تسير فوق خيط من نور لا تهزه الرياح.
الناس تُطارد المال، ثم الجاه، ثم الحب، ثم الصحة، ثم تعود راكضة تبحث عن راحة البال، كأنها الحلقة الناقصة في كل مسلسل حياة، والغريب أن هذه النعمة غالبًا ما تسكن في الأشياء البسيطة: كوب شاي في شرفة هادئة، حضن أم، دعاء في آخر الليل، أو ضحكة من القلب لا خلفها قلق ولا أمامها انتظار.
من ذاق راحة البال عرف أنها الوطن الحقيقي، والكنز الذي إن ظفرت به لا تعود كما كنت. فابحث عنها قبل أن تبحث عن أي شيء، لأنك حين تجدها، تجد كل شيء.