مقالات

رحاب: إلى الباحثين عن عمل: كيف تسير أوقاتكم؟

 
 
أحمد المعشني
 
عندما أذهب إلى بعض مؤسسات التعليم على اختلاف مراحلها للحديث عن متعة التفوق؛ تعودت أن أطلب من أعلى الطلاب نسبا في التحصيل الدراسي أن يأتوا إلى المنصة. وغالبا كنت أسالهم أن يقدموا أنفسهم وأن يخبروا عن نسب نتائج تحصيلهم وعن أسباب تفوقهم. في بعض الأحيان يكون عدد المتفوقين بين الحاضرين كبيرا، وفي الأوقات يكون عدد الحاصلين على نسبة 90% محدودا؛ فأكتفي بهم، سواء كان عددهم صغيرا أم كبيرا. ومن بين الأسئلة التي كنت أسألهم بإلحاح: هل تنام مبكرا؟ فإذا جاءت الإجابة نعم، أسأل سؤالا آخر: هل تستيقظ مبكرا؟ وبنسبة تتجاوز 99% من الحالات التي أقيسها منذ عام 2007 حتى 2018، تكون الإجابة نعم. فالذين ينامون مبكرين ويستيقظون مبكرين، هم الأوفر حظا في الجودة الشخصية، وخصوصا في مجال الوعي الذاتي وتقدير الذات ومعدل الإنتاجية والشعور بالسعادة والتمتع بالتفاؤل، والتفكير الإيجابي. فلا نستغرب أن يحثنا ديننا الحنيف على التبكير واستثمار أوقات الصباح الأولى؛ وتبدأ بركة اليوم عند الهنود في الثلث الأخير من الليل، وكذلك عند الديانات الصينية القديمة، وفي حضارة الإغريق والحضارة المصرية وحضارة بلاد العراق القديمة؛ هناك نصوص وتعاويذ وصلوات تتلى في أوقات السحر، قبل شروق الشمس. وفي الإسلام يحفزنا الرسول صلى الله عليه وسلم بدعائه: بورك لأمتي في بكورها. وكان يوقظ ابنته الزهراء فاطمة ـ رضي الله عنها ـ قائلا لها: قومي فاشهدي قسمة رزقك. ويعني البكور البركة والزيادة والنماء الذي يناله المبكرون. فالسهر شقاء وتعاسة، وهو مقدمة سيئة ليوم سيئ. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ينهر الذين يسهرون ويقول لهم أتعبتم من يكتبون ويعني الملائكة الذين يحصون الحسنات والسيئات. طيلة السنوات العشرين التي مضت على عملي في الإرشاد النفسي والعلاج بالطاقة، لاحظت أن جميع حالات الإدمان تعاني من تدني النوم بالليل، يسهرون طوال الليل، ثم ينامون طول النهار، وكثير من العاطلين عن العمل والمكتئبين والذين يستهلكون عقاقير وأدوية وينهكون الخدمات الصحية ويرهقون المجتمع بجرائمهم؛ أغلبهم ممن يسهرون الليل ثم ينامون النهار. فالصباح هو الحياة والتبكير هو ميلاد يوم جديد وفرص جديدة. ففي الصباح توزع الأرزاق، وتنتشر البركة. عندما أذهب أحيانا بعد صلاة الفجر إلى سوق الخضراوات في منطقة الحافة بصلالة قبل إزالة مبانيها؛ أفاجأ باكتظاظ السوق بالباعة والمشترين وليس منهم مواطن واحد، بل ليس من بينهم عربي واحد، فكلهم آسيويون. يمنحك الاستيقاظ مبكرا بداية مشرقة ليومك، ومجالا متسعا من الوقت، ويعزز لديك سرعة الإنجاز وجودته، بل إن القرارات التي تتخذ في حالة عقلية طبيعية بعد نوم كافٍ واستيقاظ مبكر تكون أكثر توفيقا، كما أن التخطيط للأهداف يكون أكثر فاعلية، كذلك يتمتع من تعودوا على الاستيقاظ المبكر باعتدال الحالة الانفعالية وانخفاض مستوى التوتر، وتحفيز الشعور السعادة والإيجابية. فضلا عن ذلك يتمتع الذين ينامون مبكرا ويستيقظون مبكرا باللياقة الذهنية والقدرة على الحفظ، وسرعة البديهة وقابلية الإبداع. وتشير دراسة أجريت في جامعة تكساس على الطلبة الحاصلين على معدلات دراسية أعلى إلى أنهم منضبطون في نومهم وفي استيقاظهم مبكرين في الحفاظ على أوقاتهم.
وفي دراسات استطلاعية تتبعية ولكنها غير موثقة، لاحظت أن العاطلين شملهم استطلاع؛ تتراوح أعمارهم بين 18-45 سنة، كما أنهم ينامون متأخرين ويستيقظون متأخرين ويفتحون عيونهم متذمرين وساخطين. ولا أستبعد أن ينتهي بكل شخص يخضع لهذه العادات السلبية إلى التفكير السلبي، وإضاعة الأوقات والزهد في التفكير والبحث عن الحلول الجاهزة لمشاكلهم.