عمر الردّاد
على وقع احتجاجات رسمية وشعبية عارمة في العالمين العربي والإسلامي بعد قرار الرئيس الأمريكي “ترامب” بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، قام الرئيس بوتين بزيارة مفاجأة لقاعدة حيميم في اللاذقية ،ومن بعدها إلى القاهرة وأنقرة، أرسل خلالها عدة رسائل باتجاهات عديدة ،قاسمها المشترك: تدشين النظام العالمي الجديد ، القائم على إعادة القطبية بين الولايات المتحدة وروسيا ، وأقطاب دولية صاعدة في آسيا وأخرى في أمريكا اللاتينية، كان أهمها ، أن روسيا ترفض بحزم هذا القرار ، الذي قوبل برفض دولي وعربي وإسلامي على المستويين الرسمي والشعبي، وبذلك قدم بوتين رسالته الأولى بأنه الى جانب الحق العربي والفلسطيني ،ملتزما بحل الدولتين والقدس عاصمة لدولتين ،في تمايز على الأقل مقارنة بمواقف الرئيس الأمريكي المنحازة لإسرائيل، رغم خضوع هذه المقاربة، لتحفظ من قبل جهات دولية وعربية وإسلامية .من حميميم وباستضافته للرئيس السوري بشار الأسد فيها ،جاءت الرسالة الثانية لتقول أن روسيا على يقين اليوم بانتهاء المعارك في سوريا ، بعد إنهاء تهديد الإرهاب،وان عنوان المرحلة الجديدة هو الانتقال الى البحث عن حلول سياسية ،وان لروسيا كلمتها الفصل في هذا الحل بالتعاون مع المعنيين ، بخلاصات جنيف واستانا في سوتشي ،حيث سيتم حل عقدة المفاوضات الخاصة بمستقبل الرئيس بشار الأسد ، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية بدستور وانتخابات جديدة لسوريا الجديدة ، وتمهيدا لذلك تعلن روسيا سحب قواتها، بعد انجاز المهمة ،مع الاحتفاظ بقاعدتي حميميم”الجوية” وطرطوس″البحرية”.ورغم أن الانسحاب العسكري الروسي من سوريا محط شكوك من قبل أمريكا ،التي لا تمتلك إستراتيجية واضحة تجاه سوريا ، رغم التفاهمات الكثيرة مع روسيا ،باستثناء إحباط المخطط الإيراني في سوريا ، إلا أن خطوة بوتين كانت تحمل رسالة للنظام السوري تتضمن توقفه عن مواصلة استقوائه بروسيا، وان عليه تقديم تنازلات جادة في سوتشي،بالتوازي مع تنازلات المعارضة،فيما كانت الرسالة الأخرى من هذا الانسحاب العسكري للداخل الروسي ، على أبواب الانتخابات الرئاسية ، بان لا جثث جديدة للجنود الروس ستعود بعد اليوم من سوريا . الرسالة الثالثة والاهم من قرار الرئيس بوتين ، كانت للقيادة الإيرانية ،في ظل الفجوة العميقة بين الرؤيتين الروسية والإيرانية لمستقبل سوريا ، ففي الوقت الذي تعمل فيه روسيا على انجاز تسوية سياسية في سوريا أصبحت ملامحها معروفة ، تشارك فيها العواصم العربية والإسلامية (الرياض والقاهرة وأنقرة وعمان ) إضافة لأمريكا ،تدرك القيادة الإيرانية أن أية انجازات تتحقق في سوريا من خلال جنيف واستانا وبعدها سوتشي ومجلس الأمن ، تعني إفشال مخططاتها بضرب مشروعها الاستراتيجي في تامين طريق: طهران بغداد دمشق ومن ثم بيروت، إذ أن أي حل في سوريا يتطلب إخراج كافة القوات الأجنبية من سوريا ،بما فيها القواعد العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ومليشيات إيران وحزب الله ، ومن الواضح أن إيران لا تمتلك إلا خيارا وحيدا لإفشال مفاوضات السلام وهو استمرار إظهار سوريا دولة فاشلة، واستمرار الإرهاب “التكفيري” واستثمار علاقاتها مع داعش والقاعدة لتنفيذ مخططاتها ، وربما هذا ما يفسر عودة “داعش” بعد إعلان إيران القضاء عليها إلى مناطق ادلب ، وخرق إيران وحزب الله المتكرر لمناطق خفض التوتر التي تم الاتفاق عليها في مؤتمرات إستانا.وفي أنقرة ،قدم بوتين رسالته الرابعة لنظيره التركي “اردوغان” بان روسيا وفي إطار براغماتية متبادلة ، تضمن مصالح الطرفين دون شروط واملاءات تشكل بديلا لتحالفاته المرفوضة مع أوروبا وأمريكا وحلف الناتو” ما زالت صفقة صواريخ أس 400 قائمة” وتأخذ روسيا بعين الاعتبار مصالح تركيا ومخاوفها في سوريا وتحديدا ضمانات بالحيلولة دون أن تصل تطلعات الأكراد لدولة مستقلة ، إضافة لإطلاق مزيد من الآفاق للتعاون الاقتصادي بين تركيا وروسيا .وفي القاهرة ،كانت الرسالة الخامسة، حيث تنوع مصر تحالفاتها وخياراتها وتنفتح على روسيا ، عسكريا واقتصاديا وسياسيا ، في إطار إدراك روسي لأهمية مصر وثقلها كقوة إقليمية فاعلة، يتوافق الجانبان على هدف استعادة الاستقرار في الشرق الأوسط ،بالحفاظ على وضعية القدس،وتسوية الملفين السوري والليبي، وفتح أبواب الاستثمار لروسيا في قناة السويس ، واستئناف الطيران والسياحة، وبناء مفاعلات نووية في مصر بتقنية روسية وقواعد عسكرية تعزز وجود روسيا في شمال إفريقيا.وفي الخلاصة، جولة الرئيس بوتين أرسلت الرسالة الأهم للشرق الأوسط بان روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي، وإنها شريك على قدم وساق مع أمريكا ، في معالجة قضايا المنطقة والإقليم ،لكنها شريك يمكن الاعتماد عليه وعلى مصداقيته،وتمتلك رؤى حازمة وغير منحازة، في ملفات سوريا والعراق وليبيا وفلسطين، يعتقد كثيرون أنها نتجت عن استثمار روسي لتردد أمريكا وأوروبا في اتخاذ مواقف أكثر جدية تجاه ملفات الصراع في المنطقة ، ومن المؤكد ان مفاعيل المواقف الروسية ستبدو أكثر وضوحا وتأثيرا في الأيام القادمة ، وخاصة في الملفين السوري والفلسطيني، في ظل اختراقات روسية عميقة ، للقوى الإقليمية الرئيسية في الإقليم ( السعودية ، مصر، تركيا وإيران) مع الأخذ بعين الاعتبار أن كلا من مصر والسعودية وتركيا حلفاء تاريخيين لأمريكا
رسائل الرئيس بوتين للشرق الأوسط
التعليقات معطلة.