في تصريح لافت ومباشر، أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية، خلال زيارتها الأخيرة، رفض أوروبا وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا لأي توجه يهدف إلى “أسلمة سوريا”، مشددة على ضرورة بناء نظام سياسي علماني محافظ يضم كافة أطياف الشعب السوري. ورغم أن هذه الرسالة تبدو موجهة بشكل أساسي إلى الحكومة السورية المؤقتة بقيادة أحمد الشرع “الجولاني”، إلا أنها تحمل في طياتها إشارات ضمنية إلى العراق والمنطقة بأكملها .
أبعاد الرسالة السياسية
الزيارة، التي جاءت بعبارات واضحة من الوزيرة الألمانية، لم تكن للتعبير عن دعم مادي أو اقتصادي لسوريا، بل لتوصيل رسالة سياسية تحمل دلالات عميقة: الغرب لا يريد رؤية الإسلام السياسي كقوة مهيمنة على مستقبل سوريا أو العراق. هذه الرؤية تعكس توجهاً أوسع لدى القوى الغربية الساعية إلى ترسيخ أنظمة سياسية مدنية قادرة على تمثيل التنوع المجتمعي والعرقي والديني، بعيداً عن أيديولوجيات الإسلام السياسي التي تعتبرها مصدر تهديد لاستقرار المنطقة والمصالح الدولية فيها.
تداعيات الرسالة على حكومة الشرع
هذه التصريحات تضع حكومة أحمد الشرع في موقف حرج للغاية. فمن الواضح أن الغطاء الدولي الذي قد يمنح شرعية لهذه الحكومة آخذ في التراجع، إذا لم تتمكن من تكييف سياساتها مع التوجهات الغربية. وبغياب الدعم المالي والدبلوماسي من القوى الكبرى، تصبح حكومة الشرع عرضة لفقدان شرعيتها دولياً، ما يهدد بقاءها على المدى الطويل .
انعكاسات على العراق والمنطقة
الرسالة الأوروبية لا تقتصر على سوريا فحسب، بل تمتد إلى العراق، حيث لا تزال مسألة الإسلام السياسي تلقي بظلالها على المشهد السياسي. الغرب يرسل إشارة واضحة بأن المرحلة القادمة تتطلب بناء أنظمة علمانية معتدلة وشاملة، تضع حداً للنفوذ السياسي للطوائف والأيديولوجيات المتشددة، وتؤسس لنمط حكم قادر على تحقيق التوازن بين مكونات المجتمع.
هذا التوجه يضع القوى السياسية في العراق أمام تحدٍ كبير، خاصة تلك التي تعتمد على أيديولوجيات دينية أو طائفية. فالرسالة تتجاوز حدود التصريحات السياسية لتصبح شرطاً غير معلن لأي دعم أو تعاون دولي في المستقبل .
رسالة ضمنية لتحولات جذرية
من الواضح أن الغرب يعيد تشكيل أولوياته في المنطقة، واضعاً نصب عينيه هدفاً استراتيجياً: استقرار طويل الأمد يقوم على أنظمة مدنية تمثل الجميع. ويبدو أن سوريا والعراق هما الخطوة الأولى في هذه الخطة. وفي الوقت الذي قد تبدو فيه هذه التحولات قاسية أو مفاجئة للبعض، إلا أنها تعكس رؤية جديدة لمستقبل الشرق الأوسط في ظل التغيرات الجيوسياسية الراهنة .
أي مستقبل ينتظر سوريا والعراق؟
إن مستقبل سوريا والعراق يتجه نحو مفترق طرق حاسم. فإما أن تتبنى حكوماتهما مشاريع سياسية تستجيب للمطالب الدولية والإقليمية بإنشاء أنظمة شاملة وعلمانية، أو تواجه خطر العزلة الدولية والانهيار الداخلي. الغرب يبدو حازماً في رسالته، وعلى القوى السياسية في البلدين أن تعي أن الاستجابة لهذا التوجه ليست مجرد خيار، بل ضرورة وجودية تفرضها التحولات العالمية .