منوعات

روسيا… أسبوعٌ من العزلة

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يصل في موكب لحضور قمة مجموعة السبع (أ ب)

كان الأسبوع المنصرم صعباً على روسيا. في إطار الروزنامة الروسيّة الخاصّة التي انطلقت بعد غزو أوكرانيا، قليلة هي الأسابيع التي حملت تطوّرات إيجابيّة لموسكو. بهذا المعنى، لم تمثّل الأيّام الأخيرة انزياحاً كبيراً عن مسار روسيا السياسيّ منذ 24 شباط (فبراير) 2022. مع ذلك، ثمّة فترات زمنيّة تتكثّف فيها أكثر خسائر موسكو الدبلوماسيّة. الأسبوع الثالث من أيار (مايو) 2023 مثلٌ صارخ عن هذه الفترات.

قمّة جدّة

حلّ الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي ضيفاً بارزاً على الدورة العادية الثانية والثلاثين للجامعة العربيّة. منحت القمّة أوكرانيا صوتاً أساسياً ضمن ما يمكن أن يوصف بأحد منتديات “الجنوب العالميّ“. لا يزال هذا التعبير فضفاضاً وبعيداً من أن يمثّل كتلة متجانسة من الدول التي تملك رؤية موحّدة إلى الاتّجاهات العالميّة الجديدة. لكن في الصورة الكبرى، يريد هذا الجنوب تفادي الانزلاق إلى الصراعات بين القوى الكبرى. من حيث الشكل، وقياساً بالتباعد (المتفاوت) الحاصل بين دول الخليج العربي والولايات المتحدة، يمكن أن يعدّ حضور زيلينسكي مفاجئاً إلى حدّ ما. لكنّ دول الخليج العربيّ دانت الغزو الروسيّ في المحافل الأمميّة. كما لم يصل التباعد بين الطرفين إلى حدّ القطيعة. يعتقد بعض المراقبين الغربيّين أنّ عدم اهتمام “الجنوب العالميّ” بالحرب على أوكرانيا يعود إلى عدم رغبته بالتعرّف إلى أسباب الصراع الحقيقيّة. قمّة جدّة وضعت حداً لسرديّة اللامبالاة على الأقلّ.

وليّ العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان يستقبل الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي في جدّة (أ ب)

من الناحية السياسيّة، صحيح أنّ حضور الرئيس السوريّ بشار الأسد إلى القمّة منح الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين نصراً سياسياً لطالما سعى إليه، بعدما عجز عن “تسييل” انتصاره العسكريّ في المحافل الدوليّة والإقليميّة. لكنّ مستقبل النظام الدوليّ يعتمد (إلى حدّ ما) على ما يحصل في أوكرانيا لا على التطورات في سوريا. بهذا المعنى، طغى حضور زيلينسكي على أيّ مكسب دبلوماسيّ أمكن بوتين أن يستفيد منه بفعل إعادة سوريا إلى الجامعة العربيّة. حضرت روسيا في القمّة من خلال رسالة تعاون وحوار وجّهها بوتين، كما جرت العادة في هذه المناسبة، إلى القادة المشاركين. لكن يبقى أنّ السماح لزيلينسكي – ولو غير مقصود – بنقل معركته الدبلوماسيّة ضدّ روسيا إلى الجامعة العربيّة لم يخدم مصلحة موسكو.

الحصار الأكبر

من الجامعة العربيّة، انتقل زيلينسكي إلى اليابان لحضور قمّة مجموعة السبع – منتدى آخر تجلّت فيه عزلة روسيا. فهي كانت سابقاً أحد أعضاء هذه المجموعة قبل أن تُجمَّد عضويّتها بعد دعم الانفصاليّين في شرق أوكرانيا وضمّ شبه جزيرة القرم سنة 2014. في تلك الخطوة الكثير من المعاني الرمزيّة بالنسبة إلى دولة تريد تأكيد نفسها على الساحة العالميّة. تمّت دعوة روسيا إلى مجموعة السبع في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون. أراد الأخير مساعدة روسيا على تبوّء مكانة دوليّة مرموقة وجذب نظيره الروسيّ بوريس يلتسين إلى الغرب وتعزيز مسار الديموقراطيّة في البلاد. انضمّت روسيا رسمياً إلى الدول السبع سنة 1998 فأصبح اسمها مجموعة الثماني. بذلك، ساهم تجميد عضويّة البلاد في إفقادها منتدى أساسياً لإيصال صوتها. ولم يتحوّل مقترح دونالد ترامب برفع تجميد العضويّة إلى قرار فعليّ. لكنّ الأسوأ لم يكن قد أتى بعد.

رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك مع زيلينسكي في هيروشيما (أ ب)

انعقدت قمّة هيروشيما على وقع المزيد من الأنباء السلبيّة للكرملين. فرضت المجموعة عقوبات إضافيّة على نحو 300 فرد وكيان، كما بحثت في تضييق حجم الثغرات التي تسمح لروسيا بالتهرّب من الإجراءات الغربيّة. ويبدو أنّ ثمّة اتّجاهاً أيضاً لتقييد تجارة الماس والمعادن مع روسيا. وانعقدت القمّة على أنباء المزيد من المساعدات العسكريّة إلى أوكرانيا، من بينها قبول الولايات المتحدة بنقل الدول الحليفة مقاتلات أف-16 إلى كييف، على أن يشارك التحالف في تدريب الأوكرانيّين على قيادتها. وصف زيلينسكي القرار بـ”التاريخيّ”. وكانت بريطانيا قد سلّمت أوكرانيا صواريخ “ستورم شادو” التي يصل مداها إلى نحو 270 كيلومتراً. بالرغم من كلّ الانتكاسات السلبيّة التي تركتها قمّتا جدّة وهيروشيما على دبلوماسيّة روسيا، يمكن أن يكون النبأ الأسوأ آتياً من المكان الأقرب جغرافياً وتاريخياً إلى روسيا: آسيا الوسطى.

شيآن… تطلّعات جديدة

استضافت بكين مؤخّراً قمة الصين-آسيا الوسطى في مدينة شيآن، حيث دعت قادة كازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان. يزداد نفوذ الصين في تلك المنطقة منذ سنوات. لطالما اعتبرت موسكو آسيا الوسطى حديقتها الخلفيّة. تدخّلها في العاصمة الكازاخيّة في كانون الثاني 2022 لتهدئة نزاع داخليّ لا يزال جزءاً من الذاكرة الحديثة. لكنّ الصين لا تهتمّ بالتمدّد اقتصادياً في المنطقة وحسب. قال الرئيس شي جينبينغ للحاضرين إنّ الصين قادرة على تعزيز “إنفاذ القانون وبناء إمكانات الأمن والدفاع”. حتى موقع “ديفنس تايمز” الصينيّ لفت إلى أنّ “دول آسيا الوسطى أدركت أنّ روسيا تواجه الكثير من الصعوبة في صراعها ضدّ أوكرانيا، لذلك ليس من الحكمة أن تعتمد بالكامل على روسيا”. ويتحدّث أكثر من مراقب عن أنّ دول آسيا الوسطى تخشى بشكل أو بآخر من أن تصبح الهدف التالي لروسيا إذا فازت في أوكرانيا، بالنظر إلى أنّها كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتيّ.

الرئيس الصيني شي جينبينغ وعقيلته بنغ ليوان وقادة دول آسيا الوسطى (أ ب)

صحيح أنّ ثمّة أبعاداً محليّة وثقافيّة وتاريخيّة لقمّة الصين-آسيا الوسطى. ولا جدال أيضاً في أنّ الصين تحاول إبعاد المنطقة بمقدار ما أمكن عن النفوذ الأميركيّ، بحيث تشكّل القمّة بشكل أو بآخر رداً ورسالة مضادّة إلى مجموعة السبع. لكنّ تراجع حضور روسيا في آسيا الوسطى ودعوة خصمها إلى جدّة واستمرار محاصرتها في هيروشيما تعكس تراجع دبلوماسيّتها على المستوى العالميّ. ربّما الخبر الوحيد المناسب الذي سمعته روسيا في الأيّام القليلة الماضية أتى من الميدان، حيث يبدو أنّها قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على باخموت. لكن مجدّداً، حتى هذه السيطرة قد تكون مكلفة لروسيا على أبواب الهجوم الأوكرانيّ المضاد.