شهدت الساعات الأخيرة تصعيداً عسكرياً جديداً في الشمال السوري، حيث شنت القوات الجوية الروسية غارات مكثفة استهدفت مواقع للمجاميع المسلحة في محافظتي إدلب وحلب. هذا التصعيد يأتي في وقت حساس تتشابك فيه المصالح الإقليمية والدولية في سوريا، مما يطرح تساؤلات حول الاتجاه الذي قد تتخذه الأوضاع في المنطقة .
دوافع التصعيد الروسي
الغارات الجوية الروسية جاءت استجابةً لطلب من النظام السوري، الذي يسعى إلى استعادة السيطرة على مناطق استراتيجية تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة. إدلب، التي تُعد آخر معاقل المعارضة المسلحة، باتت نقطة محورية في الصراع السوري، حيث تتحصن فيها مجموعات مدعومة من قوى إقليمية مثل تركيا.
روسيا، الحليف الرئيسي للنظام السوري، تسعى من خلال هذا التصعيد إلى تحقيق عدة أهداف:
1- تعزيز موقف النظام السوري: تأمين مناطق استراتيجية تعزز سيطرة النظام، خاصة تلك الواقعة على الطرق الدولية .
2- إضعاف نفوذ القوى المعارضة: توجيه ضربات موجعة للمجاميع المسلحة لفرض حلول سياسية على الأرض .
3- الضغط على تركيا: التي لا تزال تدعم بعض الفصائل المعارضة، مما يخلق حالة من التوتر بين موسكو وأنقرة .
انعكاسات التصعيد على الميدان
التصعيد الروسي أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف المجاميع المسلحة، مع تدمير مقار عسكرية ومخازن أسلحة. إلا أن الرد من جانب المعارضة لم يتأخر، حيث أفادت تقارير عن محاولات لاستهداف مواقع للنظام السوري بطائرات مسيّرة.
على الأرض، يبدو أن المعارك مرشحة للتوسع، مما يهدد بانهيار اتفاقات التهدئة السابقة التي تم التوصل إليها بين تركيا وروسيا. إدلب، التي تضم ملايين النازحين، تواجه خطر كارثة إنسانية إذا ما استمر التصعيد. .
التوازنات الإقليمية والدولية
التصعيد العسكري في إدلب وحلب يتزامن مع توترات إقليمية ودولية متزايدة:
تركيا: تجد نفسها أمام تحدٍ صعب، حيث تسعى للحفاظ على نفوذها في الشمال السوري مع تجنب مواجهة مباشرة مع روسيا.
الولايات المتحدة: تراقب الوضع بحذر، مع تركيزها على مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا .
إيران: التي تدعم النظام السوري أيضاً، قد ترى في التصعيد فرصة لتوسيع نفوذها في المنطقة .
إلى أين تتجه الأمور؟
مع استمرار الغارات الروسية وتصاعد التوترات الميدانية، تبدو الخيارات محدودة:
1. تصعيد عسكري شامل: قد يؤدي إلى معركة كبرى في إدلب، مع ما تحمله من عواقب إنسانية وسياسية .
2. عودة إلى المفاوضات: برعاية دولية لتجنب الانزلاق إلى مواجهات أوسع .
3. مقايضات إقليمية: حيث تسعى الأطراف إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب الحل العسكري .
الأوضاع في إدلب وحلب تقف على مفترق طرق، في ظل تصعيد عسكري يعكس تشابك المصالح الإقليمية والدولية. روسيا، التي تؤكد دعمها للنظام السوري، تواجه تحديات كبيرة في تحقيق أهدافها على الأرض دون الإضرار بعلاقاتها مع تركيا أو التورط في نزاع طويل الأمد. أما بالنسبة للسوريين، فإن الكلفة الإنسانية لهذه الصراعات تظل هي الأكبر، مما يجعل الحاجة إلى حل سياسي شامل أمراً ملحاً أكثر من أي وقت مضى .