د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
لطالما كانت العلاقة بين وادي السيليكون ودونالد ترمب معقدة ومشحونة بالتوتر، فعندما فاز ترمب في الانتخابات الرئاسية في عام 2016، كانت ردود الفعل في وادي السيليكون سلبية ملأى بالرفض والاستنكار، وعبّر حينها عدد من القادة التقنيين البارزين عن استيائهم علانية. فكتب سام ألتمان، المؤسس المشارك لشركة «أوبن إيه آي»، على منصة «إكس»: «هذا يبدو وكأنه أسوأ شيء يحدث في حياتي». بينما وصف شيرفين بيشيفار، المستثمر في شركة «أوبر»، فوز ترمب بأنه «الرعب، الرعب»، ودعا إلى انفصال كاليفورنيا عن الولايات المتحدة.
وخلال فترة رئاسته، ازدادت حدة التوترات بين ترمب ووادي السيليكون، خصوصاً فيما يتعلق بسياساته المتعلقة بالهجرة والتجارة والتنظيمات التقنية، وتعرّضت كبريات الشركات التقنية لانتقادات حادة من ترمب، الذي اتهمها بممارسة التحيز ضد المحافظين. ونتيجة لذلك، كانت العلاقة بين الطرفين متوترة ومعادية في كثير من الأحيان، إلا أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت تغييراً في هذه العلاقة، فما الذي جعل قادة التقنية يؤيدون ترمب؟ وهل دوافع هذا التأييد تجارية أم آيديولوجية؟
لوحظ هذا التغيير والتحول الجذري بشكل واضح منذ محاولة الاغتيال الفاشلة لترمب، حيث أعلن عدد متزايد من التقنيين البارزين دعمهم لدونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية المقبلة. كانت محاولة اغتيال ترمب في 13 يوليو (تموز) نقطة تحول، حيث كتب إيلون ماسك على منصة «إكس»: «أؤيد بشكل كامل الرئيس ترمب، وأتمنى له الشفاء العاجل»، بعد 30 دقيقة فقط من الحادثة، تبعه في ذلك مارك أندرسن، وبين هورويتز، وهما من رواد الإنترنت الأوائل، وأعلنا دعمهما لترمب بشكل علني.
من الناحية التجارية، يرى عديد من مؤيدي ترمب في وادي السيليكون أن إدارة جمهورية بقيادة ترمب ستكون أكثر ملاءمة لمصالحهم التجارية، لا سيما مع شعورهم بالقلق من خطط بايدن لفرض ضرائب على المكاسب غير المحققة، وزيادة الرقابة التنظيمية على صناعة التقنية، ويدعي المستثمرون في التقنية أن هذه السياسات قد تخنق الابتكار وتعيق نمو الشركات الناشئة. بالإضافة إلى ذلك، فإن البيئة التنظيمية الصارمة التي فرضتها إدارة بايدن على شركات التقنية، خصوصاً فيما يتعلق بعمليات الاندماج والاستحواذ، جعلت الشركات تواجه صعوبات كبيرة في تحقيق صفقات مربحة، بالمقابل فإن دعم ترمب للشركات الناشئة والذكاء الاصطناعي والمواقف المتساهلة تجاه التنظيمات فرصة لتعزيز الابتكار والنمو في وادي السيليكون.
بالإضافة إلى الدوافع التجارية، هناك أسباب آيديولوجية وراء التحول نحو دعم ترمب، فلطالما كانت ثقافة وادي السيليكون تتسم بالتقدمية والليبرالية، ولكن في السنوات الأخيرة، ظهرت موجة من الانتقادات للسياسات اليسارية المفرطة، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا التنوع والاستدامة، فانتقد ماسك بشدة حركة «Woke»، وسخر خلال الأيام الماضية مما تمارسه شركة «نتفليكس» من تأييد فج لهذه الحركة وتسويق لأفكارها من خلال الأفلام والمسلسلات التي تنتجها أو تبثها. وقد وجد هذا النقد صدى في بعض الدوائر التقنية، وعلاوة على ذلك، فإن أزمة الهجرة المستمرة عند الحدود الأميركية – المكسيكية قد غيّرت وجهات نظر بعض التقنيين، مما دفعهم لتبني سياسات ترمب الأكثر تشدداً في هذا الصدد.
وعلى الرغم من التحول الملحوظ نحو ترمب، فإن وادي السيليكون لا يزال يعدّ معقلاً للديمقراطيين. تشير البيانات إلى أن نحو 80 في المائة من التبرعات من شركات الإنترنت تذهب إلى الديمقراطيين. ومع ذلك، فإن الدعم المتزايد لترمب بين بعض النخب التقنية يشير إلى تحول ديناميكي في المشهد السياسي داخل الصناعة، وإلى انحسار شعبية الديمقراطيين في وادي السيليكون.
وعليه فإن التحول نحو ترمب في وادي السيليكون، وإن فُسر بمجموعة من العوامل التجارية والآيديولوجية، إلا أن دافعه الأساسي هو خيبة الأمل من السياسات التنظيمية لإدارة بايدن، والرغبة في دعم الابتكار والنمو في صناعة التقنية، بالإضافة إلى التحولات الثقافية والسياسية داخل وادي السيليكون، وهي كلها عوامل أسهمت في هذا التحول، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2024، من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في التأثير على المشهد السياسي في وادي السيليكون وفي الولايات المتحدة بشكل عام، بل وقد يزداد في حال لم يتدارك الديمقراطيون ذلك.