أكرم القصاص
«هناك رقابة غير مرئية تعيد تشكيل الإعلام الغربى لصالح السياسة والتوسع والتلاعب»، هكذا تحدث الصحفى المخضرم والمراسل الحربى ومخرج الوثائقيات الأسترالى الأصل جون بلجر فى كتابه «الحرية فى المرة القادمة»، الذى يكشف فيه كيف يمارس الإعلام الغربى بأغلبيته لعبة التهميش والإبراز، يضخم من أقل تهديد لأمنه، ويتجاهل عشرات الآلاف من الضحايا خارج أوروبا، المهاجم إرهابى إذا هاجم فى أوروبا، ولكنه متمرد إذا تعلق الأمر بمصر، وهو ما يحدث من هيئة الإذاعة البريطانية ومنصات لحقت بالجزيرة وأخواتها فى تركيا ولندن.
لم تكن قصة زبيدة أول أخطاء تقع فيها هيئة الإذاعة البريطانية، سبقتها حالات تتجاوز السهو والخطأ المهنى المقبول إلى الكذب العمد مع سبق الإصرار، حالة زبيدة وردت ضمن فيلم طويل يفترض أنه يتعلق بحقوق الإنسان وقدمت «أورلا جيورين» مراسلة «BBC»، أم زبيدة تعلن أن ابنتها مختفية قسريا منذ عام، وروت قصة عن اختطاف الفتاة من ملثمين مجهولين وتعذيبها وإعادتها، ثم اختطافها وأنها لا تعلم عنها شيئا، لكن خلال أيام ظهرت زبيدة مع عمرو أديب على الهواء واتضح أنها متزوجة وتقيم مع زوجها فى منزله بفيصل.
المراسلة لم تبحث عن استكمال قصتها بمصدر للتأكيد أو التوضيح، وسارعت بوضع القصة، والقناة عرضتها دون توقف أو تبين فأطاحت بالقضية كلها، خاصة أن هناك فيديوهات أخرى لنفس السيدة بأكثر من مشهد مرة منقبة ومرة نصف منقبة تطالب الرئيس الأمريكى بالتدخل والبحث عن ابنتها التى لا هى مختفية ولا غائبة.
قبل أيام كانت حالة عمرو الديب الذى تبلغ عن اختفائه، وعرضت داعش فيديو أنه أحد أعضائها وقتل أثناء تجهيز عملية إرهابية، ونفس الأمر مع شباب ظهر فى ليبيا، أو قتل فى سوريا والعراق، وكانت هناك بلاغات باختفائهم، فيما بدا نوعا من التنسيق، ثم إن تكرار هذه الحالات أصبح يؤثر فى الكثير من الحالات التى تتعلق ببلاغات الغياب لحالات عادية.
طبعا «بى بى سى» تعرف قواعد المهنة، ويبدو تكرار نشر تقارير تزدحم بالمعلومات المزيفة، والكاذبة، منهجا متعمدا، وليس هفوات للسرعة أو السبق. خاصة أن تكرار النشر الخاطئ يضرب مصداقية الهيئة، ولا يمكن لها أن تقدم مثل هذه البضاعة لو كان الحدث يتعلق ببريطانيا أو حدث فى أوروبا مثلا، الأمر الذى يكشف عن استهانة وثقة فى غياب المحاسبة من قبل الهيئة.
الهيئة البريطانية سبق لها ونشرت معلومات خاطئة عن حادث الطائرة المصرية القادمة من باريس التى تعرضت للسقوط وعادت لتصحح، ونفس الأمر فى أعداد شهداء حادث الواحات، حيث نقلت عن رويتزر 50 اتضح أن العدد 11. وهو فرق كبير يشير إلى غياب المصادر أو رغبة فى التضخيم، خاصة أن رويترز هى الأخرى اعتادت نشر تقارير منسوبة لمصادر «ترفض دائما ذكر أسمائها»، بالرغم من أنها تتعلق بقضايا أمنية وغالبا ما يثبت خطأها أو تدخل ضمن التقارير المغسولة التى تسربها جهات معينة، بمقابل كبير.
أيضا نشرت «BBC» تقريرا منقولا من مصادر إسرائيلية عن طائرات الدولة العبرية تشارك فى مواجهة الإرهاب بسيناء من دون أن تفكر فى البحث عن رد، ثم إنها تستخدم وصف مسلحين لوصف الإرهابيين، بينما لا تصف الإرهابيين فى بريطانيا وأوروبا بنفس الصفة، بما يشير إلى انحياز واضح.
اللافت أن منصات يفترض أنها عالمية تورطت فى نشر تقارير اتضح خطأها، ومنها نيويورك تايمز التى نشرت تقريرا تزعم فيه أن حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق موجود فى السعودية مستشارا لولى العهد ثم ظهر العادلى فى محاكمة أمام القضاء، وأنه لم يغادر مصر، ولم تعتذر الصحيفة العريقة ولم تصحح خطأها، بل نشرت تقريرا عن تسريبات فكاهية، وفى كلا الحالتين كان النشر يتبعه احتفاء من الجزيرة وقنوات تركيا فى لندن وإسطنبول، الأمر الذى يشير لما يشبه اتفاق بين هذه المنصات الأمريكية والبريطانية من جهة، وبين القنوات التى تمولها قطر فى الدوحة ولندن وإسطنبول، تنشر الصحف الدولية التقرير الكاذب وتلتقطه قنوات قطر لتعيد مناقشته وطرحه.
هناك بعض التحليلات تذهب إلى الربط بين منصات قطر فى الدوحة ولندن وإسطنبول، وخضوع بعض المؤسسات لسلطة المال الغزير، فى وقت تعانى مؤسسات كبرى من أزمات تمويل تدفعها لقبول المساهمات السخية لقطر مقابل الأسهم مثلما حدث فى الجارديان، أو أن يكون هناك اتفاقات تديرها أجهزة تنتج التقارير المغسولة، وتدفع لترويجها مستغلة منصات ذات سمعة سابقة، لكن هؤلاء يتجاهلون أن عصر التكنولوجيا يتيح للجميع فرصا متساوية، وأن المصداقية والمهنية ليست شهادات مطلقة، لكنها مشروطة بقواعد إذا انهارت تسقط هذه المنصات مثلما يجرى مع الـ«بى بى سى» التى أصبحت «BBC مباشر مصر».