اخبار سياسية

زعماء أحزاب جزائرية ينسحبون… تجديد دماء وتناغم مع رغبة السلطة

مساع لتفعيل العمل الحزبي في الجزائر.

قرّر رئيس حزب جبهة المستقبل الجزائري عبد العزيز بلعيد عدم الترشح لولاية جديدة، وانسحابه، بعد أكثر من 12 سنة قضاها على رأس الحزب الذي أسسه في العام 2012. وسبق بلعيد في قراره، الأمين العام لحزب الأغلبية في البرلمان الجزائري جبهة التحرير الوطني أبو الفضل بعجي، الذي تنحّى هو الآخر وقرّر عدم الترشح لولاية جديدة. وقبلهما كان المرشح لرئاسيات 12 كانون الأول (ديسمبر) 2019، وأمين عام التجمع الوطني الديموقراطي عز الدين ميهوبي، قد أعلن اعتزاله الحياة السياسية والتفرّغ للكتابة، على حدّ تعبيره. ويُضاف إلى هؤلاء بعض الوجوه السياسية التي شغلت الوسط السياسي في الجزائر، ولم يعرف الرأي العام في البلد سواها طيلة ثلاثة عقود منذ الانفتاح وفق دستور 1989، والتي انسحبت أو اعتزلت او اندثرت، مثل رئيس الوزراء الأسبق علي بن فليس، الذي اعتزل بعد خسارته للمرّة الثالثة في انتخابات الرئاسة للعام 2019، إذ ترشح المرّة الأولى عام 2004 ضدّ الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ثم ضدّه كذلك في انتخابات 2014 التي حل فيها بالمركز الثاني خلفه. أما الإسلامي المعارض زعيم حزب جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، ورغم نشاطه القليل جداً، إلاّ أنّه صُنّف في خانة المندثرين سياسياً. تحصيل حاصل…هي انسحابات جديدة يعيدها متابعون إلى تداعيات ما بعد الحراك الشعبي في شباط (فبراير) 2019، وما أفرزه من تغيير في نمط التعاطي مع المستجدات السياسية الحاصلة في أعلى هرم في السلطة. فالرئيس عبد المجيد تبون لم يتوان عن الحديث بشأن ضرورة تحسين أداء الأحزاب السياسية واسترجاع أخلاقيات العمل السياسي وأبجدياته، بما يلغي كل الممارسات السابقة، بخاصة ما يتعلق بـ”الشكارة”، وهي عبارة كثيراً ما تمّ تداولها خلال العقدين الماضيين، وتعني استفحال وتغوّل المال الفاسد داخل الأحزاب السياسية لشراء الذمم والمناصب. 

عبد العزيز بلعيد. وفي المقابل، يرى آخرون أنّها تحصيل حاصل وتداول سليم على كرسي الزعامة عبر هذه الأحزاب التي يقبع بعض قادتها في رئاستها منذ أمد بعيد، وهو ما يُعتبر تناقضاً صارخاً، في الوقت الذي دعا هؤلاء وما زالوا إلى احترام الديموقراطية وفتح المجال أمام مسار التداول على السلطة. ويُرجع الإعلامي المتابع للشأن السياسي حسام غربي، انسحاب بعض الوجوه من الحياة السياسية في البلاد إلى انصياع هؤلاء طواعية أو بضغوط، للدعوات المنادية بضرورة “إتاحة الفرصة لمناضلي هذه الأحزاب لوضع استراتيجية جديدة خاصة بعد الجمود السياسي الذي عرفته الأحزاب السياسية مؤخّراً”. ويضيف أنّ “هذه الوجوه انتهى عهدها واستنزفت طاقاتها ولم يعد لحضورها معنى، بخاصة أنّ البلاد عرفت تغييرات جمّة منذ أربع سنوات، وهو ما لا ينسجم مع الوجوه التي تعُتبر قديمة ولها تأثير ضعيف نوعاً ما بالمقارنة مع أفكار الأجيال الجديدة والمحيط السياسي الحالي”. 

حسام غربي.وأشار غربي إلى أنّ الجزائر بحاجة لنفس جديد، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية نهاية العام الجاري، إذ تحتاج التشكيلات السياسية في البلد لأن “تواكب التطورات السياسية، وأن تتناغم مع التوجّهات الكبرى وأن تسير نحو تقوية خطابها وأدائها بما يعيد لها أولاً ثقة المواطن الغائبة عنها بفعل عدد من العوامل التي تبقى هي السبب الرئيس فيها”، وفق كلام غربي لـ”النهار العربي”. تصدّعات وضغوط داخليةوكثيراً ما تصدّعت أساسات الأحزاب السياسية الجزائرية بسبب تشبث رئيس أو زعيم بمنصبه فيها مستأثراً بكل الصلاحيات، فسواءً كانت هذه الأحزاب كبيرة وذات تاريخ طويل، أو صغيرة لم يمرّ على إنشائها إلّا سنوات قليلة، غير أنّها شهدت تشققات أدّى بالكثير منها إلى الاضمحلال أو انخفاض مستويات الأداء فيها. وفي هذا الخصوص، يقول غربي إنّ بعض “رؤساء الأحزاب المنسحبين لم يكونوا يحظون بذلك القبول العام من طرف المناضلين، إذ كثيراً ما عانت من توترات داخلية أدّت بها إلى انقسامات، الأمر الذي ضرب علاقاتها الرسمية والشعبية في مقتل”. ويضيف أنّ “الوجوه السياسية المنسحبة عرفت بأنّ عمرها السياسي انقضى، فإما أن تخرج من الباب الواسع، وإما أن تخلط حابلها بنابلها لتجد نفسها خارج أسوار الحزب بطريقة لا تليق بنضالها السياسي، مثلما حدث لكثيرين قبلها”. ضبط العمل السياسي أخلاقياًالانسحابات الجديدة لوجوه سياسية معروفة هي مؤشر إلى تغييرات جذرية بدأت منذ أربع سنوات، وهي تصل اليوم إلى مرحلتها الأخيرة، وفق متابعين، فقد ضُخّت دماء جديدة في عدد من التشكيلات السياسية الجزائرية، عملت على ضرورة مسايرة مستجدات الساحة، ما تطلّب منها تغييراً في أعلى هرمها بأفكار جديدة وبنضالات وقناعات فكرية ونضالية حقيقية، بعيدة عمّا كان يحدث خلال السنوات العشرين الماضية، إذ اختلّ معنى النضال السياسي داخل الأحزاب الكبيرة منها والصغيرة، بل أضحى بلا قيمة لا معنوية ولا نضالية؛ الأمر الذي دفع السلطة في البلاد إلى التفكير في مراجعة قانون الأحزاب، ومن ثم الضغط من أجل تغيير ما يجب تغييره داخل هذه التشكيلات السياسية. ويرى محللون للشأن السياسي في الجزائر، أنّ السلطة تريد أفكاراً حزبية جديدة تساعدها في تسيير الشأن العام باقتدار، وتدافع معها عن سيادة البلد، بكل ما للكلمة من معنى، ضدّ كل ما يواجهها من “مؤامرات خارجية”.