اخبار سياسية

“زنيقة العرايس” الجزائرية وسط العاصمة… متحف لتاريخ عميق

"زنيقة العرايس" وسط الجزائر العاصمة.

وسط شارع “ذبيح الشريف” الذي سمي نسبة إلى الشهيد شريف ذبيح الملقب “سي مراد”، وهو واحد من صانعي مجد البلاد، وجامع كتشاوة الذي يقع في القصبة السفلى وبالتحديد في حي سوق الجمعة الذي تفوح منه عطور حضارات متعاقبة، ويأخذ نفساً منعشاً معطراً بنسمات البحر الأبيض المتوسط العليلة، هناك “زنيقة العرايس” التي ستبقى ذكرى جميلة عالقة في ذهن كل عروس جزائرية.  قبل أن تطأ قدماك هذه “الزنيقة” عليك المرور أولاً على مساحة صغيرة في بداية شارع “ذبيح شريف” تسيطر عليها بائعات الذهب أو ما يعرف بـ”الدلالات”، وبمجرد أن تتجاوز هذا الرصيف بصعوبة تامة كونه يعج بالزبونات والزبائن والفضوليين، تبدأ رحلتك المفعمة بالحماسة لاستكشاف تاريخ هذه “الزنيقة” التي تعتبر القلب النابض للجزائر. 

 وتتوسط هذه “الزنيقة” بنايات ومساجد يعود تشييدها إلى المرحلة العثمانية في البلاد، على غرار حي “القصبة” الشعبي الذي يقع في قلب العاصمة الجزائرية ويطل على البحر الأبيض المتوسط، وغير بعيد منها كنيسة “السيدة الأفريقية” التي تقع على ارتفاع 227 متراً من سطح البحر، وهي أشهر الكنائس على ساحل البحر المتوسط. لا تُعرف إلا من رائحتها أول أمر يلفت انتباهك، رائحة المكان وصداها العاطفي على الزوار، وهنا يستحضر أجمل أقوال الشاعر الفلسطيني محمود درويش عندما قال: “المدن رائحة… وكل مدينة لا تعرف من رائحتها لا يعول على ذكراها”، فحاسة الشم هي أكثر حضوراً في هذه الأزقة المعبقة برائحة الياسمين الأبيض المتدلي على مداخل المحال المتعاقبة على طول الرصيفين والأقواس التي تشتهر بها، وهو من الزهور التي ترتبط بذاكرتنا المكانية والزمانية في حدائق بيوتنا.  وتمتزج رائحة الياسمين التي تستعطف قلوب الزوار وتجعلهم يعشقون الأبيض برائحة ماء الزهر وعطر ماء الزهر المقطر المنبعث من الزقاق، فكلما شممت هذه الروائح تتذكر حلوى “قلب اللوز” الجزائرية و”المقروط” أو “المقروض” سلطان الحلويات التقليدية ومقروط اللوز، وهو ابتكار جزائري خالص أصبح ينافس العديد من الحلويات التركية والشرقية. ولا تزال للألبسة التقليدية وكل ما قد يرافق العروس ليلة دخلتها حكاية في “زنيقة العرايس”، إذ لا يحتاج الزائر إلى مرشد أو دليل في ذلك المكان الذي لا يختلف كثيراً عن “المتاهة” لكثرة الأزقة المتفرعة منه، فزقاق يقود إلى زقاق وحارة تفضي إلى حارة، حتى الشارع العام يقود إلى شوارع أخرى. في هذا المكان، تعثر العروس الجزائرية على أشياء تقليدية مصنوعة باليد، كانت الأميرة العثمانية “خداوج العمياء” تقتنيها من المكان نفسه مثل “عدة الحمام” التي لا يمكن للعروس أن تستغني عنها، فهي من العادات المتجذرة في العائلات الجزائرية، وتتكون من أدوات مصنوعة يدوياً من النحاس الأصفر الخالص والمزخرف، بعضها يصنع في محافظة قسنطينة (عاصمة الجسور المعلقة) شرق البلاد. 

متحف مفتوح عبر التاريخ وينظر كثيرون إلى “الزنيقة” على أنها “متحف” يأخذك وأنت تتجول فيه في رحلة عبر التاريخ والحضارات، ليست حضارات محصورة في الجزائر وحسب، بل تعبرها إلى حقب قديمة جداً، حتى عماراتها التي تقاوم الصدأ والتلف، لا يزال يفوح من كل ركن فيها عبق التاريخ وحكاياته، فعلى مداخلها تصادفك تماثيل جميلة، وشرفاتها المصممة بأشكال هندسية عثمانية لا تزال إلى يومنا هذا تستقطب الباحثين في التاريخ، وينتهي رأسها عند مسجد “كتشاوة” الذي حوّله الاستعمار الفرنسي إلى كنيسة قبل أن يحول مجدداً إلى مسجد مباشرة بعد حصول البلاد على استقلالها في 5 تموز (يوليو) 1962. 

 شُيد مسجد كتشاوة عام 1520 في العهد العثماني على يد أحد أكبر قادة الأساطيل العثمانية وحاكم الجزائر آنذاك خير الدين بربروس 1470 – 1546.  الموسيقي تتلاعب بمشاعرنا ولعل أبرز ما يثير انتباهنا ومشاعرنا ويجعلنا نتراقص من دون أن نشعر، الأغاني الشعبية الوافدة من أعماق الماضي، معظمها للهاشمي قروابي عميد ما يعرف بموسيقى الشعبي الجزائرية، ومن أشهر أغانيه “البارح كان عمري عشرين” و”آلو آلو” التي تغنى فيها باسم المغتربين في كل أحياء العاصمة، وقصيدة “عويشة والحراز” التي تروي قصة الشاب الحراز الذي صان وحفظ الفتاة عويشة الحسناء الجميلة، بعدما أحبها حباً جماً إلى حد الارتواء.