الكاتب:مــحــمــد شــريــف أبــو مــيــســم
كانت زيارة رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي الى طوكيو مثمرة بعد أن قررت الحكومة اليابانية تخفيض مستوى المخاطر الامنية لدخول اليابانيين في عدد من المحافظات العراقية، وهذه هي الخطوة الأولى الأكثر اهمية في جذب الاستثمارات اليابانية الى سوق العمل العراقية.
واذا كانت الزيارة قد حققت أهدافها في سياق تسجيل الأهداف، اذ تمخضت ايضا عن توقيع اتفاقيتين مع الجانب الياباني بشأن اكمال مشروع ماء البصرة الكبير، واستصلاح اراض بين نهري الفرات ودجلة في قطاع الري، فان الشوط الثاني المتعلق بوظيفة التأسيس للعمل على أرض الواقع هو من سيحسم تحقيق هذه الاهداف ويعزز ما حققته الزيارة من نجاحات.
اذ ان قرار تخفيض مستوى المخاطر الامنية يقتضي العمل وبجدية على المحاور الأخرى الجاذبة للاستثمار من قبل الجانب العراقي، وهنا تكون وظيفتنا كعراقيين هو التاسيس لمناخات استثمارية حقيقية تضع خارطة الفرص الاستثمارية التي قدمت للشركات اليابانية موضع التطبيق من خلال تسهيل الاجراءات وتبسيطها وخلع عباءة البيروقراطية في الاداء المؤسسي عبر اسلوب النافذة الواحدة التي تختزل حلقات الترهل والوقت معا مع ضمان وجود بيئة قانونية جاذبة عبر تفعيل القوانين التي تم تشريعها والأخذ بنظر الاعتبار مسألة التبادلات والتعاملات المالية من خلال ضمان وجود مصارف محلية قادرة على الارتقاء بمستوى خدماتها الى مستوى الخدمات المالية التي تقدمها المصارف اليابانية. وبالتالي فان ما سيتمخض عن توقيع الاتفاقيتين بشأن اكمال مشروع ماء البصرة واستصلاح الاراضي بالتزامن مع خطواتنا المتعلقة بتسهيل الاجراءات، لن يقف عند تحسين واقع الحياة والخدمات في العاصمة الاقتصادية للبلاد، فضلا عن التأسيس لواقع زراعي تزداد فيه معدلات الغلة الزراعية في حوض السهل الرسوبي الذي شهد ارتفاعات عالية في معدلات التملح خلال العقود الماضية ، بل سيمتد ليؤسس لحالة من الثقة بالبيئة الاستثمارية المحلية، يمكن أن تنعكس على عوامل الجذب الاخرى وتبعث برسائل ايجابية للجهات الاستثمارية المترددة في قرارها على اثر ما فرزته السنوات السابقة من تداعيات طاردة بفعل الارهاب والبيروقراطية والفساد. اللافت في الزيارة هو انها جاءت بدعوة من الجانب الياباني للمشاركة في أعمال مؤتمر طوكيو حول دعم خلق فرص العمل والتدريب المهني وتقليل تداول الاسلحة في المجتمع العراقي بدعم من الحكومة اليابانية، وهو أمر يحسب في القياسات السياسية في اطار المصالح المشتركة بين البلدين، اذ تسعى دولة ما لتقديم يد العون لدولة أخرى بهدف بناء علاقات متينة متبادلة تعود بالنفع والفائدة على الطرفين، بيد ان معايير نجاح هذا السعي تعتمد على قياسات الجدوى الاقتصادية للجهة التي بادرت بتقديم يد العون، وهذه القياسات لا تقفز الى الغاية الربحية، دون المرور لما يؤسس لها في اطار المحاور ” الأمنية والبيئية والمجتمعية والقانونية” باتجاه تحقيق الغاية الربحية في اطار ديمومة الجدوى المالية، بمعنى ان الجانب الياباني – الذي عرف عنه توظيف العلم في كل مفاصل الحياة – حين يؤسس لهذه العلاقة فانه على دراية بامكانيات التحول التي سيشهدها العراق، الأمر الذي يدعونا الى استثمار هذا التأسيس بجدية، من خلال برنامج علمي خاص يمكن من خلاله التعاطي مع خصوصية المجتمع الياباني والاستفادة من تجربته بعد المرحلة الانتقالية التي عاشها ابان نهاية الحرب العالمية الثانية، مع امكانية الاستفادة من التطور العلمي الهائل الذي حققته اليابان خلال الأربعة عقود الاخيرة بالتساوق مع فتح باب الاستثمار للشركات ورؤوس الأموال اليابانية بما يخلق شبكة من المصالح المشتركة التي تؤسس لتوأمة حقيقية بين العراق واليابان، دون الركون لفتح باب الاستثمارات فقط .