زيارة قاآني تفشل قمة بغداد وتؤكد للعرب أن العراق بلا قرار وطني

34

 

 

في توقيتٍ مثيرٍ للقلق، وقبل يومين فقط من القمة العربية التي عُقدت في بغداد يوم 17 أيار/مايو 2025، وصل قائد “فيلق القدس” الإيراني إسماعيل قاآني إلى العاصمة العراقية، في زيارة غامضة وغير معلنة رسميًا، وسط تساؤلات محلية وعربية عن سبب تواجده، ومتى غادر — إن كان قد غادر أصلًا.

قمة بلا معنى… ولا حضور

القمة التي كانت تُعدّ اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة العراق على استعادة دوره في الإطار العربي، تحوّلت إلى مناسبة باهتة وخالية من الزخم، بغياب شبه كامل للملوك والرؤساء العرب. اقتصر الحضور على وفود منخفضة التمثيل، فيما بدت العاصمة بغداد، رغم التحضيرات الرسمية، عاجزة عن تحقيق أي اختراق سياسي أو دبلوماسي يعيد رسم مكانة العراق في الإقليم.

قاآني في بغداد… من يتحكم في التوقيت؟

زيارة قاآني لم تكن محض صدفة. بل جاءت في وقت حساس للغاية، وسبق انعقاد القمة العربية بساعات قليلة. المعلومات تشير إلى أنه أجرى لقاءات مع قادة فصائل مسلحة ومسؤولين سياسيين، دون أي تصريح رسمي من الحكومة العراقية، ما دفع العديد من العواصم العربية إلى تفسير الزيارة على أنها تدخل مباشر في القرار العراقي ورسالة استعلاء على الإطار العربي.

غياب أي إعلان رسمي عن مغادرته، أو حتى مضمون زيارته، ساهم في تعميق الانطباع بأن السيادة العراقية ما تزال محل تساؤل، وأن الدولة غير قادرة على ضبط توقيت وتفاصيل “الزيارات الإيرانية الخاصة”.

الرسالة وصلت: العراق بلا قرار سيادي

الرد العربي على هذا المشهد لم يأتِ من خلال التصريحات، بل من خلال الغياب. الغياب العربي لم يكن مجرّد إجراء دبلوماسي، بل كان موقفًا سياسيًا واضحًا يعكس حقيقة الشعور العربي تجاه واقع العراق: بلدٌ يعاني من اختطاف القرار، ويفتقد إلى الإرادة السيادية الحرة في زمن تتصارع فيه الأجندات على أرضه.

فبينما كان يُفترض أن تكون قمة بغداد بوابة لعودة العراق إلى الحضن العربي، جاءت زيارة قاآني لتقول إن البوابة مغلقة – وإن مفتاحها ليس في بغداد، بل في طهران.

من بغداد إلى العواصم العربية: رسائل سلبية بالجملة

ما حدث لا يعكس فقط فشل قمة، بل فشل مشروع إعادة العراق إلى موقعه العربي الطبيعي. في الوقت الذي كانت فيه الدول العربية تأمل برسالة عراقية قوية مفادها أن بغداد باتت حرة ومستقلة في قراراتها، جاءت الرسالة العكسية تمامًا: لا قرار دون توافق خارجي، ولا قمة تنعقد دون ضوء أخضر من لاعبين غير عرب.

بغداد… من يُنقذها؟

العاصمة العراقية التي كانت يومًا قلب العروبة النابض ومركز القرار الإقليمي، باتت اليوم ساحةً لصراع الإرادات وتصفية الحسابات بين المشاريع الخارجية. بغداد التي احتضنت مؤتمرات القمم التاريخية، تُعاني الآن من عزلة عربية متزايدة، لا بسبب الجغرافيا، بل بسبب غياب الإرادة الوطنية القادرة على تحصين القرار من التدخلات والضغوط.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم على النخب العراقية قبل غيرهم . من يُنقذ بغداد؟ هل يُعقل أن تظل هذه المدينة العريقة، ذات التاريخ السيادي والثقافي الممتد، رهينة حسابات فصائل وسفراء وظلال جنرالات من وراء الحدود؟

الإنقاذ لن يأتي من الخارج، بل من الداخل… من وعي عراقي جامع يعيد تعريف الأولويات، ويربط المصالح الوطنية بالعمق العربي لا بالمشاريع العابرة للحدود. العراق يحتاج إلى نهضة سيادية، يتوحد حولها المجتمع والنخب، ليعيدوا للدولة هيبتها، وللعاصمة مكانتها.

إذا لم تنطلق إرادة الإنقاذ من داخل بغداد نفسها، فستظل هذه المدينة تتلقى رسائل المقاطعة، وتنتظر حضورًا عربيًا لا يأتي، وتعيش حالة فراغ استراتيجي لا يملؤه سوى الآخرون.

 عندما تتحكم طهران بمخرجات القمة

لقد كانت قمة بغداد فرصة، لكنها ضاعت. والسبب لم يكن في ضعف التنظيم أو سوء النوايا، بل في وجودٍ سياسي وعسكري موازٍ يتحكم بتفاصيل العراق الكبرى، ويمنع عنه استعادة موقعه الإقليمي.

زيارة قاآني، بصمتها الصاخب، قضت على أي أمل عربي في قمة ذات جدوى، وأكدت بما لا يدع مجالًا للشك أن العراق ما زال يفتقد إلى القرار الوطني السيادي. وفي السياسة، مثل هذه الرسائل لا تمر دون ثمن .

التعليقات معطلة.