زيلينسكي يتحول إلى رئيس معزول سياسياً بعد فضيحة الفساد

1

ـ طارق العليان
سلّط الكاتب أدريان كاراتنيتسكي، الخبير البارز في مجلس الأطلسي ومؤلف كتاب “ساحة المعركة: أوكرانيا من الاستقلال إلى الحرب مع روسيا”، الضوء على التداعيات السياسية العميقة لفضيحة الفساد، التي تعصف بالقيادة الأوكرانية.
وأكد الكاتب في مقال بموقع “بوليتيكو” أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بات أقرب إلى رئيس معزول سياسياً، بعدما تآكلت الثقة الشعبية والدولية في نهجه الحاكم، رغم عدم اتهامه شخصياً بالفساد.
زلزال سياسي في كييف
وقال الكاتب إن الفضيحة الحالية، التي تتضمن مخططاً لابتزاز نحو 100 مليون دولار من قطاع الطاقة الأوكراني، طالت وزيري العدل والطاقة، إضافة إلى مسؤولين في وكالة الطاقة النووية ومكتب التحقيقات العامة.
وأضاف أن الأخطر يتمثل في تورط أقرب المقرّبين من زيلينسكي، وفي مقدمتهم شريكه التجاري السابق تيمور ماينديتش، الذي تشير التقارير إلى أنه في قلب الشبكة، فضلاً عن الاتهامات الموجّهة إلى رئيس ديوان الرئاسة أندري يرماك بعرقلة عمل هيئات مكافحة الفساد.
زيلينسكي: أوكرانيا تواجه أصعب لحظات تاريخها أمام قرار مصيري – موقع 24
تعهد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الجمعة، بالعمل على نحو سريع وبناء مع الولايات المتحدة على خطة سلام لإنهاء الحرب مع روسيا، لكنه قال إنه “لن يخون” مصلحة بلاده الوطنية.
وتابع أن هذه التطورات فجرت غضباً واسعاً في المجتمع الأوكراني، إذ يرى كثيرون أن نمط إدارة الرئيس، القائم على دائرة ضيقة من الأصدقاء والمقرّبين، قد وصل إلى طريق مسدود.
وعود الإصلاح تتهاوى أمام الواقع
وأشار الكاتب إلى أن زيلينسكي جاء إلى السلطة على موجة من الوعود المتحمسة بمحاربة الفساد، واستبدال النخب القديمة بوجوه نظيفة، لكن الأداء الفعلي كشف تضخّم الوعود وتقلّص الإنجاز. وأوضح الكاتب أن حلقات الكشف المتتابعة في الفضيحة تشبه مسلسلاً جنائياً معقداً أكثر منها حكومة في زمن حرب.
وأوضح أن زيلينسكي، الذي كان يحصد نسب تأييد قياسية خلال المراحل الأولى من الحرب، بات يفقد ثقة الجمهور تدريجياً في الأشهر الأخيرة.
وقال إن استطلاعات الرأي قبل الفضيحة كانت تشير إلى أن واحداً فقط من كل أربعة أوكرانيين يريد إعادة انتخابه بعد انتهاء الحرب. وكانت تُظهر تفوق الجنرال فاليري زالوجني بشكل واضح عليه.
وأضاف أن استطلاعات جديدة، لم تُنشر رسمياً بعد، تكشف عن تراجع إضافي بنسبة 40% في الدعم الشعبي، بما يجعل قاعدة زيلينسكي الانتخابية تقف عند حوالى 25% فقط، وهو ما يثبّته كرئيس عاجز سياسياً.
ترامب يمنح مهلة لأوكرانيا ويكشف “صفقة” مع إيران – موقع 24
كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الجمعة، أنه منح أوكرانيا مهلة حتى الخميس المقبل، للموافقة على مقترح سلام قدّمته الولايات المتحدة بهدف إنهاء الحرب الدائرة مع روسيا، محذراً من احتمال خسارة كييف الدعم الأمريكي في حال رفضها الاتفاق.
هل ينسحب زيلينسكي من المشهد؟
وقال الكاتب إن أشخاصاً عملوا قرب الرئيس أشاروا، دون الكشف عن هوياتهم، إلى احتمال أن زيلينسكي لن يترشح لولاية ثانية، وهو موقف يتوافق مع رأي سيدة أوكرانيا الأولى، أولينا زيلينسكا، التي قيل إنها تعارض استمرار زوجها في الحكم، بسبب آثار الحرب على الأسرة.
وأضاف الكاتب أن الأزمة فتحت الباب أمام منافسين جدد يسعون إلى ملء الفراغ السياسي، مستفيدين من تراجع قوة حزب “خادم الشعب” داخل البرلمان وظهور انقسامات وصراعات قيادية في صفوفه.
أزمة ثقة دون احتجاجات
وأوضح الكاتب أن الغضب الشعبي كبير، لكن السياق الحربي يمنع حدوث احتجاجات واسعة، إذ يدرك الأوكرانيون، حسب ما نقله الكاتب عن الناشط المدني سيرهي ستيرنينكو، أن أي اضطراب داخلي قد يسهّل التقدم الروسي.
وتابع أن موقع الرئيس ما يزال مستقراً بسبب ظروف الحرب، إلا أنه أصبح بحاجة ماسّة إلى استعادة الثقة داخلياً وخارجياً، والتأكيد للحلفاء أن الدولة تدار بكفاءة وشفافية.
وقال الكاتب إن أمام زيلينسكي فرصة لتصحيح المسار إذا بادر إلى تشكيل حكومة تكنوقراط موثوقة، عبر مشاورات شاملة مع المجتمع المدني وخبراء مكافحة الفساد والمعارضة الوطنية.
وأضاف أن الرئيس مطالب بتقليص الطابع المركزي لرئاسته، ونقل الصلاحيات الاقتصادية والإدارية إلى الحكومة والبرلمان، وحصر دوره في الدفاع والأمن والسياسة الخارجية.
وأشار إلى أن الانقسامات داخل الحزب الحاكم تعزز ضرورة هذه الخطوات؛ إذ ذكرت صحيفة “أوكرانيسكا برافدا” أن رئيس الكتلة البرلمانية دافيد أراخاميا يدعم إقالة يرماك وإعادة هيكلة مكتب الرئاسة، بينما يخطط نواب آخرون لإنشاء أحزاب جديدة أو تشكيل أغلبية بديلة.
من يقود المرحلة المقبلة؟
وتابع الكاتب أن أمام زيلينسكي أسماء قادرة على استعادة الثقة، بينها: ميخايلو فيدوروف، نائب رئيس الوزراء؛ وأوكسانا ماركاروفا، المرجّح أن تشكل جسراً مع واشنطن؛ ودميترو كوليبا، وزير الخارجية السابق الذي أُقيل دون تبريرات واضحة.
وقال إن تجميع فريق كهذا، مع السماح بملاحقات قانونية كاملة للعناصر الفاسدة، قد يعزز وحدة الجبهة الداخلية ويمنح كييف موقفاً أقوى في ظل الضغوط الأمريكية المتزايدة للتفاوض مع موسكو.
وخلص إلى أن الضرر الذي لحق بزيلينسكي قد لا يكون قابلاً للإصلاح، لكن الفرصة ما تزال قائمة لاستخدام الأزمة كمحفز لبناء نظام أكثر شفافية، ونقل السلطة إلى شخصيات تحظى بثقة الجمهور والحلفاء. فإذا أقدم الرئيس على الاختيار الشجاع، الاعتراف بالأزمة وتحويلها إلى فرصة إصلاح، فقد يحافظ على ما تبقى من شرعيته، ويضع أوكرانيا على مسار سياسي أكثر صلابة في مواجهة أطماع موسكو.

التعليقات معطلة.