سابقة في المغرب… حكم بتعويض مواطنة تضررت من لقاح “أسترازينيكا”

1

لقاح "أسترازينيكا".

لقاح “أسترازينيكا”.

في حدث غير مسبوق في تاريخ المملكة، أصدر القضاء المغربي حكماً ضدّ الدولة يقضي بتعويض المتضرّرين من لقاح “أسترازينيكا” (AstraZeneca) المضاد لكورونا، وطالبها بدفع مبلغ مالي حدّدته المحكمة بـ250 ألف درهم مغربي (نحو 25 ألف دولار)، بسبب الأضرار الصحية الناجمة عن مضاعفات اللقاح. وأصدرت المحكمة الإدارية في الرباط حكماً قطعياً، يقضي بـ”دفع الدولة المغربية (وزارة الصحة والحماية الاجتماعية) للمدّعية تعويضاً قدره 250 ألف درهم، وتحميلها المصاريف في حدود المبلغ المحكوم به ورفض باقي الطلبات”، وفق ما جاء في منطوق الحكم، الذي حصل “النهار العربي” على نسخة منه، في القضية التي تمّ تسجيلها في حزيران (يونيو) 2022، واستغرق إصدار الحكم فيها حوالى السنتين. ويأتي هذا الحكم، بعدما قامت المحكمة الإدارية بجولة ثنائية قبل أن تنطق به بصفة قطعية لصالح المدّعية وهي أستاذة جامعية، سبق أن أفادت في دعواها القضائية عن إصابتها بشلل في أطراف جسدها السفلى وعلى مستوى وجهها، بعد تلقّيها لقاح “أسترازينيكا” الذي اعتمدته السلطات المغربية خلال حملة التلقيح الوطنية التي انطلقت في كانون الثاني (يناير) 2021. تفاصيل الحكمووفق منطوق الحكم، فإنّ القرار جاء بناءً على مقتضيات القانون رقم 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية وقانون المسطرة المدنية والقانون رقم 17.04 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، إذ استندت المحكمة في حكمها على “ثبوت العلاقة السببية بين أخذ جرعة التلقيح والضرر الحاصل لها والموصوف في تقرير الخبرة، والمتمثل في إصابتها بمتلازمة Guillain-Barré وفقدان عضلة الوجه لقوتها وحدوث توتر واكتئاب نتيجة هذه الحالة النفسية، وفقدان قوة عضلة الجانب الأيسر من الوجه واضطراب في النوم وصداع الرأس، وعجز كلي موقت (432 يوماً) ونسبة عجز جزئي دائم في حدود 15 في المئة، إضافة إلى وهن جسدي”. 

 واستند حكم المحكمة على قاعدة أنّه “يقع على الدولة حماية المواطنين من الأضرار الناتجة من مخاطر التلقيح ضدّ فيروس كورونا، كونها القائمة على منح التأشيرات والرخص والموافقات لهذه اللقاحات، واعتباراً لدعوتها لهم بصفة ملحّة إلى أخذ جرعاتهم من اللقاحات”. كما اعتمد على قاعدة أنّ “مسؤولية الدولة عن ذلك تندرج في إطار المسؤولية عن المخاطر، والتي يكفي لقيامها ثبوت الضرر والعلاقة السببية من دون الاعتداد بركن الخطأ”. وذكر نص الحكم، أنّه تبين للمحكمة أنّ السيدة المشتكية، التي تلقّت الجرعة الأولى من اللقاح سنة 2021، وبناءً على نتائج تقارير الخبرة الطبية والوثائق التي أدلت بها، أنّها أصيبت بمتلازمة Guillain-Barré بسبب التلقيح ضدّ كورونا، بعد تشخيص حالتها كلينيكياً وأخذ عينة من ماء النخاع الشوكي، وبعد إخضاعها للتخطيط الكهربائي للعضلات، وبعد فحصها سريرياً، وبعد دراسة دقيقة في البحوث العلمية التي ظهرت بعد فيروس كورونا. ولفت مصدر مطلع على الحكم، إلى أنّ “الإدارة التي تشتغل لديها السيدة المعنية كانت قد أعفتها من التلقيح بعد أخذها الجرعة الأولى، بمقتضى شهادة إعفاء مؤرخّة سنة 2021، وذلك بعد فحص ملفها الطبي من طرف لجنة إقليمية في الرباط ضمّت طبيباً متخصصاً في الإنعاش وطبيباً متخصصاً في أمراض الرئة وطبيباً رئيساً للّجنة”. واعترض الوكيل القضائي للمملكة من جانبه على تقرير الخبرة الطبية “كونه جاء خالياً من أية أسس موضوعية تبين الكيفية التي اعتمدها الخبير في تحديد نسبة العجز الجزئي الدائم”، مشيراً إلى أنّه “اقتصر على مجرد فحص الوثائق المرفقة من دون البحث عن الأسباب الحقيقية وراء الأضرار المزعومة، والتي لا يمكن الوصول إليها إلّا بالفحص الدقيق والمعمّق للمدّعية، وأنّ إصابتها بمتلازمة Guillain-Barré كما تدّعي غير مرتبطة باللقاح”. احترام القضاء… واستئنافوحاول “النهار العربي” التواصل مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية المغربية لمعرفة تفاصيل أكثر عن القضية، بيد أنّها رفضت التعليق على الحكم، فيما أكّدت مصادر مسؤولة في الوزارة ذاتها فضّلت عدم الكشف عن هويتها لأسباب مهنية، أنّ هذه الأخيرة “تحترم القضاء المغربي واستقلاليته، ولن تعلّق على حكم قضائي، في حين أنّها قرّرت استئناف قرار المحكمة الإدارية في العاصمة الرباط”. من جانبه، قال الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية الطيب حمضي، في حديث لـ”النهار العربي”، إنّ هذا التأثير الجانبي معروف بالفعل منذ 3 سنوات، وهو يحدث في حالات نادرة جداً، ويكون ذلك في غضون أسبوعين إلى 3 أسابيع بعد إعطاء اللقاح وليس بعد أشهر أو سنوات. كما اعتبر أنّ “التأثيرات الجانبية الخطيرة نادرة جداً، وهي مشتركة بين كل الأدوية واللقاحات من دون استثناء، ولا يزال ميزان الفوائد والمخاطر لجميع لقاحات كوفيد يصبّ في صالح اللقاحات التي أنقذت الأرواح ولا تزال. الحالات النادرة جداً من ردود الفعل السلبية الخطيرة على التلقيح، هي في العديد من الحالات بين 10 و100 مرّة أقل من هذه الحوادث نفسها في حالة المرض الذي تمنعه هذه اللقاحات”. وشدّد الخبير المغربي في النظم الصحية على أنّه يمكن أن تسبّب جميع الأدوية واللقاحات من دون استثناء آثاراً جانبية خفيفة بشكل عام، أو نادراً أو نادراً جداً ما تكون خطيرة، أما بالنسبة للقاح ضدّ كوفيد فإنّ “أسترازينيكا” معروف منذ عام 2021 أنّه يمكن أن يؤدي، وفقاً للبيانات الإحصائية، وفي حالات نادرة جداً، إلى حدوث الجلطات TTS (متلازمة التخثر ونقص الصفيحات)، وقد أدّى ذلك إلى قيام السلطات الصحية في بعض البلدان بإعادة ترتيب جدول التطعيم لتقديم هذا اللقاح فقط للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 40 و50 و55 عاماً… واعتبر حمضي أنّ “تعويض الضحايا المحتملين لهذه الآثار الجانبية، على الرغم من ندرتها، هو حق مطلق؛ حتى لو لم يتمّ بعد شرح العلاقة السببية المباشرة علمياً بين الدواء أو اللقاح بشكل كامل”.

التعليقات معطلة.