ساعة الواق واق

1

سمير عطا الله

سمير عطا الله

كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

احتفل قدامى السينما وأهل الشاشة البيضاء بمرور 75 عاماً على خروج فيلم «الرجل الثالث»، الذي قيل إنه أعظم فيلم بريطاني عرفته الشاشة. كان نجمه الأول أورسون ويلز، بطل «وفاة بائع متجول»، الذي قيل يومها أيضاً إنه أعظم فيلم أنتجته هوليوود.

يقول ويلز في فيلم «الرجل الثالث» الجملة التالية: «هل تعرف ماذا؟ طوال ثلاثين عاماً من عهد بورجيا في إيطاليا قامت حروب، وتفشّى الإرهاب، وكثرت الجريمة، وسالت الدماء. لكن هذا العهد أعطى العالم ليوناردو دافنشي، ومايكل أنجلو، وعصر النهضة. بينما طوال 500 عام من الهدوء والديمقراطية والسلام في سويسرا، ماذا قدمت؟ ساعة الواق واق!».

اعترض كثيرون على تلك الجملة بداعي أنها تشجع على الشر. لكن أحداً لم يستطع أن يحدد قائلها الأصلي. البعض قال إن صاحبها هو أورسون ويلز نفسه، قد خرج على النص. وبعض آخر ذكر أنه لا يمكن إلا أن يكون القائل عبقرياً مثل غراهام غرين. لكن الرجل نفى أن يكون قد قال، أو كتب، مثل هذا الكلام. وفي رواية أخرى، أن الذي قال الجملة، أو شيئاً شبيهاً بها، هو الدوتشي موسوليني نفسه. غير أن العودة إلى كل ما قال وتقوَّل، لم يرد فيه شيء من هذا القبيل.

وقال أورسون ويلز في محاولة الوصول إلى حل، إنه كرر تلك الجملة لأنها تناهت إليه من مسرحية هنغارية. ثم تبيَّن بعد بحث، أن المسرح الهنغاري براء. هنا تدخّل المؤرخ البريطاني آي. جي. تايلور: صاحب القول هو الرسام جيمس ويسلر.

وما دام الأمر قد أُوضح، فلا بدّ من إيضاحات أخرى متعلقة بالموضوع:

أولاً، سويسرا لم تعرف 500 عام من الديمقراطية والسلام، بل 300 عام من الحروب والقتال.

وثانياً، لم تكن تلك جرداء خالية من العباقرة وإنما أعطت العديد منهم.

كل ذلك ليس مهماً، المهم أنه في هذا العصر لم تعد السينما تقدم أفلاماً مثل «الرجل الثالث»، أو ممثلين مثل أورسون ويلز. لا تزال طبعاً تقدم الروائع. لكن مقياسها الحالي أفلام من نوع «أولاد رزق» الذي استقبله معظم النقاد بالتمجيد. وأصيب الزميل حمدي رزق، بسببه، بعسر الهضم. لأنه تقليد لأفلام العنف والرعب الأميركية، وكله «تكسير بتكسير». ومع ذلك، فقد كسر، خلال أيام، جميع أرقام الدخل. أولاً نكاية بالزميل الساخر، وثانياً، بالمحبّر الذي لا يزال يعيش في زمن أورسون ويلز، بينما صار الفن ساعة الوقواق.

التعليقات معطلة.