اخبار سياسية

سباق الرئاسة في الجزائر يمرّ بهدوء… ومنطقة القبائل تصنع الاستثناء

قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏لعب كرة السلة‏‏ و‏نص‏‏

المصدر: النهار العربي

الجزائر-نهال دويب

مسؤول في مركز انتخابي يعرض بطاقة اقتراع تحمل صور الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون أثناء فرز الأصوات خلال الانتخابات الرئاسية بالجزائر (ا ف ب)
مسؤول في مركز انتخابي يعرض بطاقة اقتراع تحمل صور الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون أثناء فرز الأصوات خلال الانتخابات الرئاسية بالجزائر (ا ف ب)

للمرة الثانية على التوالي بعد الحراك الشعبي الذي اندلع في 22 شباط (فبراير) 2019، خرج الجزائريون السبت للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المبكرة، في موعد حمل استثناءات كبيرة عما سبقته في أعوام 2019 و2014، غير أنه أبرز مرة أخرى أن الجزائر قطعت أشواطاً مُهمة في مساعيها الرامية لترسيخ الديموقراطية، وأسست لمبدأ الاحتكام إلى صندوق الاقتراع الشفاف في حسم المنافسة لأحد المرشحين الثلاثة الذين تعهدوا بتحقيق ولو جزء بسيط من أحلام المواطنين، والاهتمام بقضاياهم لا سيما الاجتماعية والاقتصادية.

معدلات المشاركة

ولأنّ اختبار صحَة الديمقراطية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمعدل التصويت ونسبة الإقبال على مراكز الاقتراع، بقيت الأنظار مشدودة طيلة اليوم نحو البيانات الدورية الصادرة عن السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي كانت تبث بين الحين والآخر أرقام رسمية لنسب المشاركة، وظهر نسق التصويت في الساعات الأولى من اليوم الانتخابي بطيئاً لا سيما في العاصمة وبعض المدن الكبرى، إذ لم يتجاوز عدد المصوتين حتى الساعة العاشرة صباحاً مليون و 69 ألف و 872 ناخب أي ما يمثل نسبة 4.56 بالمئة، قبل أن ترتفع إلى حدود 13.11 بالمئة في الداخل و16.18 بالمئة للجالية المقيمة في الخارج بعد الظهر بالتوقيت المحلي، لتبلغ عتبة 26,45 بالمئة.

وعند حدود الساعة الخامسة مساءً بالتوقيت المحلي، أي قبل 3 ساعات فقط من إغلاق صناديق الاقتراع، بلغت نسبة التصويت في الخارج 18.31 بالمئة.

ووفقاً للأرقام التي أعلنتها الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، فقد جرى إحصاء 24.4 مليون ناخب مسجّل، من بينهم 23.5 مليون داخل الجزائر موزعين على 47 بالمئة من النساء و53 بالمئة من الرجال، بينما بلغت نسبة المسجلين أقل من 40 سنة 36 بالمئة.

وبدأ الناخبون الجزائريون بالخارج، والذين يزيد عددهم على 865 ألف ناخب مسجل، التصويت منذ الأثنين الماضي في الانتخابات الرئاسية المبكرة، فيما انطلقت الأربعاء عملية التصويت عبر المكاتب المتنقلة المخصصة للبدو الرحل، الذين يبلغ عددهم 116 ألفاً و64 ناخباً مسجلاً في 134 مكتب اقتراع.

وبدت هذه الانتخابات مختلفة عن سابقتها التي نُظمت في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2019، والتي جرت وسط ظروف متوترة بسبب الاحتجاجات التي سبقتها بأشهر في معظم المدن الجزائرية واتساع رقعة المقاطعين وحملات الرفض لا سيما في منطقة القبائل ذات الغالبية الأمازيغية، إذ جرى استحقاق الأمس في أجواء عادية دون تسجيل أي تجاوزات أو عمليات تخريب وغلق لمراكز الاقتراع من قبل رافضين، مقابل نشر التلفزيون الرسمي لصور تبرز إقبالاً متفاوتاً بين المدن على التصويت.

القبائل تصنع الاستثناء

والملفت كان نسب التصويت التي تم تسجيلها في مدن منطقة القبائل، مثل تيزي وزو 5.09 في المئة مقارنة مع 0.1 في المئة في رئاسيات 2019، بينما سجلت ولاية بجاية معدل تصويت بـ5.8 بالمئة مقارنة مع 0.25 بالمئة التي سجلت في الانتخابات السابقة، وهي نسب أولية مرشحة للارتفاع في غضون الساعات القليلة المقبلة.

وفي ولاية البويرة، التي تعتبر ثالث أكبر مدن المنطقة، تخطت نسبة التصويت عتبة 10 بالمئة حتى الواحدة ظهراً، مقارنة مع التي تم تسجيلها عند إقفال مكاتب الاقتراع في 2019، ما يوحي أن العوامل التي رافقت هذه الانتخابات كترشح ابن المنطقة يوسف أوشيش عن جبهة القوى الاشتراكية، وهو الحزب الأكثر انتشاراً في المنطقة كما أن تشكيلته السياسية تشرف على تسيير عدد من البلديات، إضافة إلى عوامل أخرى من بينها زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى تيزي وزو في بداية شهر تموز (يوليو) الماضي، ساهمت بشكل كبير بتسجيل نسب تصويت مقبولة.

وقال وزير الاتصال، محمد لعقاب، في تصريح صحافي عقب الادلاء بصوته في الانتخابات، إنّ “هناك ملاحظة مهمة، لأول مرة ومنذ سنوات تجري حملة انتخابية عادية وطبيعية في منطقة القبائل… وهذا أمر ايجابي لم يحدث منذ سنوات، وأعتقد أن هذا جاء في سياق الزيارة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى ولاية تيزي وزو، والمشاريع التي أطلقها، والمواقف التي عبّر عنها”.

لا حديث عن تزوير

وأبدى المرشحون الثلاثة تفاؤلهم بأن تصنع الجزائر حالة استثناء وسط العالم العربي، فقبل وضعه الورقة في الصندوق، صرّح تبون أمام الصحافة وهو يُحيي مجموعة من الناخبين المتواجدين في مكتب الاقتراع: “اُبصرُ طابوراً من الشباب بصدد التصويت… أتمنى للجزائر أن تكون منتصرة دائماً”، مؤكداً أن “الحملة كانت نظيفة جداً، والفرسان الثلاثة كانوا في المستوى وأعطوا صورة مشرفة جداً عن الديموقراطية في البلاد”، وأضاف: “أتمنى أن نكون قدوة للآخرين”.

ووصف تبون الاستحقاق الانتخابي بـ”المفصلي”، وخاطب منافسيه بالقول: “أتمنى ممن سيفوز بنتيجته أن يواصل المشوار حتى نصل إلى نقطة اللاعودة بخصوص الأشواط التي قطعتها البلاد في التنمية، وأن نبني ديموقراطية حقيقية وليس مجرد شعارات”.

أما المرشح يوسف أوشيش، الذي صوت في قريته أيته قون التابعة لبلدة أسي يوسف في دائرة بوغني بمحافظة تيزي وزو شرق العاصمة الجزائرية، فعبّر عن “الفخر بالانتماء إلى هذا الشعب وهذه الأمة”، مناشداً الجزائريين “التخلي عن العزوف” عن الاقتراع.

وخاطب أوشيش الأغلبية الصامتة بالقول: “تعهدت خلال الحملة بتكريس التغيير، يمكن للأغلبية الصامتة أن تصبح أغلبية فاعلة، هذا ندائي للجميع حتى يغتنموا الفرصة لبناء الجزائر التي نطمح إليها”.

ومن جانبه أدلى المرشح الإسلامي عبد العالي حساني بصوته في منطقة بئر خادم بالضاحية الجنوبية للعاصمة، ووصف حملته الانتخابية بـ”المتميزة”، موضحاً أنّها “تضمنت برنامجاً سياسياً يسلّط الضوء على قضايا الوطن والشعب والأجيال الصاعدة”، وتابع: “عرضنا حلولاً لكل المشاكل من خلال 62 تعهداً”.

ويمكن اعتبار هذا الاستحقاق الرئاسي مؤشراً هاماً على عملية التعافي السياسي في الجزائر، إذ غاب الحديث عن التزوير والتلاعب بالنتائج من طرف المرشحين الثلاثة.

ووصف البروفيسور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامع بسكرة هذه المؤشرات بـ”الإيجابية”.

وقال عكنوش، في تصريح مقتضب لـ”النهار العربي”، إنها “دليل قاطع على تطور النسق السياسي من حيث نمط الحوكمة الانتخابية الذي يستند لمعايير الشفافية والمصداقية بشكل أعطى جودة للعملية الانتخابية”، وفي مقاربته شدد عكنوش على أن “النسبة الحقيقية تمنح الشرعية للرئيس المنتخب لا سيما في المحافل الدولية”.