ثلاثة مسارات سياسية كانت حاضرة في المشهد السياسي السوداني بعد زيارتين لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان لكل من مصر وليبيا، التي استقبلت غريمه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في أول محطة عربية له، في وقت يتجه نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار في جولة أفريقية، بينما يستعد أعضاء اللجنة المشكلة من الاتحاد الأفريقي للتوجه إلى السودان للمساعدة في إنهاء الحرب.
البرهان في القاهرة وحميدتي في طرابلس فقد وصل حميدتي إلى العاصمة الليبية طرابلس في أول زيارة لدولة عربية منذ بداية الحرب. وقال في تغريدة على منصة X عقب لقائه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إنه قدم رؤيته “لوقف الحرب وتحقيق السلام وإعادة بناء السودان على أسس جديدة وعادلة”، وكان لافتاً بحسب مصادر متابعة أنه وصل في وقت متأخر من الليل، ولم تكن ثمة مواعيد سوى مع رئيس الحكومة، وذلك بعد أيام قليلة من زيارة البرهان لطرابلس وأنباء عن خطة ليبية لوقف الحرب الدائرة منذ نيسان (أبريل) الفائت. وفي اليوم نفسه وصل البرهان إلى القاهرة في ثاني زيارة لمصر بعد خروجه من مبنى القيادة العامة وسط الخرطوم، حيث كان الجيش يخوض مواجهات مع قوات الدعم السريع. وبينما شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على “دعم وحدة الصف السوداني وتسوية النزاع القائم”، أكد أيضاً “استمرار مصر في الاضطلاع بدورها لتخفيف الآثار الإنسانية للنزاع على الشعب السوداني”.تحركات أفريقية لحل النزاع وعلم “النهار العربي” من مصادر سودانية أن وفد الاتحاد الأفريقي المكلف تسوية الصراع في البلاد سيصل إلى بورتسودان اليوم السبت، وهو يضم النائب السابق لرئيس أوغندا سبيسيوسا وأنديرا كازيبوي، بالإضافة لمبعوث المنظمة الأفريقية إلى الصومال سابقاً فرانسيسكو ماديرا والممثل السامي للاتحاد لإسكات السلاح الغاني محمد بن شمباس، والثلاثة كان قد عيّنهم رئيس الاتحاد الأفريقي موسى فكي في وقت سابق لمحاولة إيجاد حل للحرب السودانية. وقالت مصادر متابعة لـ”النهار العربي” إن الوفد سيلتقي البرهان وشخصيات محلية في البلاد خلال اليومين المقبلين، مشيرة إلى أن التوجه هو لمعرفة خطة الوفد والبناء على مقتضاه، لا سيما أن عضوية الخرطوم في المنظمة الأفريقية مجمدة منذ الخامس والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) 2021. وفي موازاة تحرك البرهان عربياً باتجاه مصر وليبيا، حط مالك عقار في جنوب أفريقيا بعد جولة قادته إلى كل من جنوب السودان وأوغندا ورواندا في وقت سابق، واللافت أن الوجهات الأخيرة هي ذاتها التي قصدها حميدتي في أول ظهور علني له نهاية العام الماضي ومطلع السنة الحالية. وذكرت مصادر مواكبة لجولة عقار أنه التقى، بالإضافة لقادة هذه الدول، رؤساء البعثات الدبلوماسية فيها، عارضاً خطة الحكومة لإنهاء الحرب مع شرح للأوضاع الإنسانية التي يعانيها السودانيون. تسوية أشبه بالهدنةفي حديث إلى “النهار العربي”، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد ود الفول أن الزيارات الأخيرة هي محاولة لتسوية بين الطرفين، ويقول: “زيارتا ليبيا ومصر هما محاولة لإيجاد تسوية أشبه بالهدنة بين الجيش السوداني والدعم السريع، وذلك للعودة إلى مربع الشراكة السياسية لما قبل الحرب… ولكن في رأيي لن تأتي هذه الجهود بنتائج لأن هناك عوامل أخرى ولاعبين فاعلين على الأرض، وبخاصة من جانب الشعب، لن تتوافق معهم تلك الجهود ولن يقبلها الشعب والجبهة الداخلية للبرهان”. ويكشف ود الفول أن من وصفهم بالداعمين للبرهان رفضوا مقابلته حميدتي وجهاً لوجه في ليبيا، ولذلك تم عقد اجتماعين منفصلين على أمل خروج نتائج من الاجتماعات، لكنه يبدي تشاؤماً حيال أي جديد ستحققه هذه اللقاءات. ويلفت المستشار الإعلامي لرئيس “حركة تمازج” عثمان عبد الرحمن سليمان إلى أهمية زيارة حميدتي طرابلس ويقول لـ”النهار العربي”: “هذه الأزمة وإن طال الزمن ستخترق عبر جهود إقليمية أو دولية، والدول التي عادة ما يزورها قائد قوات الدعم السريع تكنّ احتراماً للسودان وشعبه وتسعى لإنهاء الحرب، وطرابلس هي محطة مهمة للسودان ونتوقع أن تقدم مجهودات جبارة لإنهاء الأزمة”. بيد أن عثمان يقلل في الوقت عينه من أهمية زيارات البرهان ومالك عقار لجهة تحقيق نتائج فعلية. لا مفاوضات قبل الحسم في الميدان لا يتوقع الكاتب والمحلل السياسي محمد ود البشير أن تشكل الزيارات والمساعي الخارجية أي اختراق جدي، وهو ما ينسحب على تحرك وفد الاتحاد الأفريقي المرتقب، ويشرح لـ”النهار العربي”: “سبق أن أكدت الحكومة أن لا تفاوض خارج منبر جدة، وهو ما يعني أن الجهود الأخرى ستكون إضاعة للوقت، ولكن الأهم هو في حال حسم الجيش المعركة ميدانياً في الخرطوم، ما سيمكّنه من فرض تنفيذ بنود اتفاق جدة، ولذلك لا أجد إمكاناً لاختراقات جدية في الوقت القريب”.
سباق دبلوماسي مع الحرب… تحركات كثيفة من السّودان وإليه عربياً وأفريقياً
التعليقات معطلة.