بقلم : د. وفيق إبراهيم
تحرير الجيش السوري وحلفائه ثلثي الأراضي السورية من سيطرة الإرهاب المدعوم بالأدلة الملموسة من عشرات الدول، لا يضع حداً نهائياً لمحاولات أميركية ودولية متواصلة لتقسيم سورية كانتونات متناحرة.
قد يُسأل عن الأهداف.. الإجابة سريعة ولا تحتاج إلى ذكاء متوقّد. لأنها تعكس إصراراً على انتزاع مصادر القوة والتاريخ والشرعية من سورية التاريخية وتحويلها سناجق لا حول لها ولا قوة، ولا تعادي «إسرائيل» كحال عرب الخليج.. وتصبح بيدقاً صغيراً في سياسات أميركية تتمسكُ بأحادية احتكارها للمرجعية الدولية. ومشروع كهذا يلغي فوراً القضية الفلسطينية فاتحاً السُّبل أمام «إسرائيل» لتضمّ ما تشاء من أراضٍ سورية ولبنانية بمياهها وبحارها مع تطهير مسبق لأهلها كما فعل اليهود في 1948، عندما طردوا الفلسطينيّين من وطنهم. كما يضع خاتمة نهائية لإمكان إنتاج مشرق عربي مستقلّ خارج من الوصاية الأميركية التي تستنزفه اقتصادياً وسياسياً وبشرياً.
الدلائل على هذا الأمر كثيرة وهي برسم الجميع.. وترتبط بالبحث عن الأسباب التي تجعل الجيش السوري هدفاً لهجمات متواصلة من سبع قوى لا تنفكّ تهاجمه منذ 2013 بكلّ أنواع الأسلحة الفتاكة وبشكل متزامن. وهي قوى دولية وإقليمية وعربية إلى جانب منظمات الإرهاب المتطرّفة الوهابية الجذر والمنشأ والتطوّر… أهذه مصادفة؟
وكيف يكون من المصادفات هذا التزامن بين غارات «إسرائيلية» على الجيش السوري قبل ساعات عدة من غارات أميركية عليه أيضاً، فتواكبت بدورها مع هجمات إرهابية على مواقع أخرى له، فيما تصل الأسلحة المضادة للطائرات في آن معاً إلى منظمات داعشِ والنصرة في إدلب التي يفترض أنها محاصرة هناك من الجيش التركي، كما يزعم أردوغان وشركاه.
وبالترتيب، فهناك مئات التنظيمات الإرهابية التي تحوّلت في غضون أسابيع فقط من تنظيم تظاهرات غير مسلحة كانت تنادي بالتحشيد الطائفي الوهابي، إلى تظاهرات مسلّحة بدأت بنصب الكمائن ومهاجمة الجيش السوري منذ 2012.
وتبيّن أنها مسلّحة بمختلف الأنواع الفتاكة والمدمّرة وبكميات قياسية غير مسبوقة… وأقرّ الإعلام الغربي بأنّ خطوط إمداد السلاح والتمويل والتذخير لما كان يسمّيه بمنظمات الربيع العربي هي الخطوط التركية والأردنية مع محاولات للتمرير من لبنان. لكنها فشلت بسبب الدور الأساسي للقوى الوطنية فيه التي فضحت ما يجري وأوقفتها.
وهذا الجيش السوري نفسه الذي يستهدف الإرهاب التكفيري منذ سبعة أعوام تعرّض لنحو 16 غارة جوية من الطيران الأميركي بذرائع مختلفة. والمضحك أنّ واشنطن ادّعت بعد معظم هذه الغارات أنها من طريق الخطأ. إلا أنها وفي الغارة الأخيرة التي نفّذتها منذ أيام عدة فقط استهدفت فيها مواقع للجيش السوري في مناطق الفرات، زعمت أنها ردّ على هجوم للجيش السوري على مواقع لقوات كردية «قسد». فيما جزمت معلومات غربية أنها رسالة للسوريين والروس والإيرانيين بأنّ مناطق شرق الفرات ممنوعة عليهم، لأنها مشروع كانتون كردي كبير تحاول واشنطن تأسيسه على 25 في المئة من مساحة سورية.
بعد هذه الهجمات اليومية للإرهاب والشهرية للأميركيين على أبطال الجيش السوري، تأتي «إسرائيل» على لائحة الذين يستهدفون دائماً الجيش العربي السوري، قبل نشوب الأزمة الحالية وبالتزامن الحالي مع حرب الإرهاب على الدولة السورية. وتتذرّع «إسرائيل» أنها تقصف أهدافاً لحزب الله فيما يؤكد الإعلام الغربي انها تصوّب على مواقع الجيش السوري كي تفتح الطرق للعمليات الإرهابية. وهذا ما تفعله يومياً في مناطق القنيطرة المواجهة للجولان المحتلّ، هناك حوّلت مراكزها خطوط إمداد للنصرة وداعش، حيث تذخّر عناصرهم وتعالجهم وتنصرهم عند اللزوم وتساندهم بغارات تختار أجواء لبنان صاحب نظرية النأي بالنفس وترمي منها على أرياف دمشق.
أما الطرف الرابع، فهو التركي الذي يبدّل اتجاهاته، حسب مصالح أردوغان وحزبه، ففي مرحلة 2012 ـ 2016، رعى الجيش التركي مع المخابرات إدخال مئات آلاف الإرهابيين الآتين من مختلف دول العالم عبر حدوده إلى سورية والعراق، بانياً لهم خطوط إمداد تصدّر لهم ما يحتاجونه، وتشتري منهم نفط سورية وغازها ومعاملها المفكّكة التي لا تزال تُباع في أسواق مدنها حتى اليوم باعتراف المسؤولين في تجميع أصحاب المعامل في سورية، بالإضافة إلى أنّ الجيش التركي لم يتورّع أكثر من مرة عن الاعتداء على الجيش السوري مباشرة أو بواسطة منظّمات تدّعي أنها تركمانية سورية، لكنها تشكل بالفعل جزءاً من الجيش التركي ـ النظامي.
إنّ هذه المعلومات لا تندرج في إطار الافتراضات. هي معلومات موثقة في مختلف تنوّعات الإعلام في العالم، لذلك نرى أنّ الجيش السوري مُستهدفٌ مباشرة وبالتزامن من منظمات الإرهاب في داعش والنصرة والإخوان والقاعدة ومئات التنظيمات المشابهة إلى جانب الطيران الأميركي والغارات «الإسرائيلية» والجيش التركي، فلماذا يا تُرى يجتمع كلّ هؤلاء على هدف واحد؟ ألا يعني هذا الأمر وحدة في المصالح والأهداف بينهم؟
لجهة السعودية، فهي أكبر منتج وداعم للإرهاب الوهابي في سورية والعراق، بكلّ ما تأتّى لها من قوة، بالتمويل والتذخير والبناء الفكري والرعاية والحماية وإرسال إرهابيّين من السعودية إلى سورية والعراق. وهناك مسؤولون سعوديون ثامر السبهان يجولون بشكل دائم في مناطق سوريّة تخضع لسيطرة داعش والنصرة والأميركيين وحلفائهم في قوات «درع الفرات» و»قسد» من الأكراد والعشائر حاملاً معه توجيهات وليّ الأمر وأمواله ونصائحه الوهابية جداً.
وهل يمكن نسيان دور الأردن وقطر، فالملك الهاشمي مصرّ على «أبوة بلاده لعشائر حوران» محاولاً تسليحها وتمويلها لتجابه الجيش السوري، مؤمّناً خلفية إمداد وتدريب أردنية لها، وغرفة أركان فيها ممثلو الناتو و»إسرائيل» والسعودية الموك تدير الحرب على سورية من المناطق الجنوبية استكمالاً للدور «الإسرائيلي» في الجنوب الغربي، ويتردّد أن «غرفة الموك» جرى إقفالها، لأنها فشلت. لكن الدور الأردني لا يزال مستمراً في دعم تنظيمات درعا في وجه الجيش السوري، إلى جانب اعتدال «لفظي» في الخطاب الأردني الرسمي.
على مستوى قطر، فهذه حليفة بنيوية لتركيا تدعم التنظيمات الموالية لأنقرة، خصوصاً تنظيمات القاعدة المنشقة وفرق الأخوان المسلمين في فيلق الرحمن ونظرائه.
هذه المعلومات ليست جديدة، لكن اجتماع منظمات الإرهاب مع سبع دول عربية وإقليمية ودولية على استهداف طرف واحد يكشف على الفور اجتماعها على قواسم مشتركة.
فما هي هذه القواسم بين منظمتي داعش والنصرة مع الجيوش الأميركية و»الإسرائيلية» والتركية والسعودية والقطرية والأردنية… ضدّ الجيش السوري؟!
هذا برسم السوريين وكلّ العرب ليدركوا أنّ تدمير جيش تابع لدولة وطنية، إنما هو محاولة لتدمير هذه الدولة وتفكيكها، كما حدث في ليبيا والعراق ومحاولات مشابهة في مصر والجزائر، لكنها لم تنجح.
إنها سورية التي تدافع اليوم عن بلاد الشام وكامل المشرق العربي، بهذا الجيش الصنديد الذي يواصل كتابة التاريخ المجيد بدماء أبطاله.