وجد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه في مأزق غير مسبوق نتيجة التحولات الجذرية في السياسة الخارجية الأمريكية تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب. هذه التغيرات قد تترك أوكرانيا وأوروبا مكشوفتين أمام التهديد الروسي، في ظل تراجع الالتزام الأمريكي التقليدي بأمن القارة العجوز.
اللقاء المتوتر في البيت الأبيض
تفاقمت الأزمة بعد اللقاء الأخير بين ترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض، حيث ساد التوتر الأجواء، وانتهى الاجتماع بشكل مفاجئ بعد توبيخ ترامب العلني لزيلينسكي. طالب ترامب الرئيس الأوكراني بالتوقف عن التصعيد العسكري مع روسيا، مشيرًا إلى أن كييف ليست في موقع يسمح لها بفرض شروطها. كما حذر من أن استمرار النزاع قد يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، في إشارة إلى رفض واشنطن التورط المباشر في المواجهة مع موسكو. مغادرة زيلينسكي دون عقد مؤتمر صحفي مشترك سلطت الضوء على حجم الفجوة بين الطرفين وأكدت برودة العلاقات بين كييف وواشنطن.
دعوات الانسحاب من الناتو والأمم المتحدة
في تطور لافت يعكس توجهات ترامب الانعزالية، أعرب إيلون ماسك، أحد المقربين من ترامب، عن تأييده لانسحاب الولايات المتحدة من الناتو والأمم المتحدة، معتبرًا أن واشنطن لم تعد بحاجة لتحمل أعباء الدفاع عن حلفائها. في السياق ذاته، قدم السيناتور مايك لي مشروع قانون يطالب بانسحاب واشنطن من الأمم المتحدة، متهمًا المنظمة بأنها منصة للطغاة ومعادية للمصالح الأمريكية. كما شدد على ضرورة إعادة تقييم عضوية الولايات المتحدة في الناتو، خصوصًا بعد امتناع شركة نرويجية عن تزويد السفن الأمريكية بالوقود احتجاجًا على سياسات ترامب.
هذه التصريحات والدعوات تثير قلق حلفاء الولايات المتحدة، خاصة في أوروبا، حيث يعتمد الناتو بشكل كبير على القدرات الأمريكية. تقليص الدعم الأمريكي أو الانسحاب الكلي قد يخلق فراغًا استراتيجيًا تستفيد منه روسيا لتعزيز نفوذها في القارة الأوروبية.
تراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا
مع تصاعد هذه الدعوات، أصبح واضحًا أن الولايات المتحدة تتجه نحو تقليص دعمها العسكري والسياسي لأوكرانيا. الأمر الذي قد يضع كييف في موقف دفاعي خطير أمام تقدم القوات الروسية. في هذا السياق، حذر الأدميرال روب باور، رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو، من أن خطر نشوب صراع مباشر مع روسيا لا يزال قائمًا، وأنه يتطلب استعدادًا أوروبيًا أكبر في حال تراجع الالتزام الأمريكي.
في المقابل، وجدت الدول الأوروبية نفسها أمام واقع جديد يفرض عليها تعزيز قدراتها الدفاعية وتحمل مسؤولية أمنها القومي دون الاعتماد على واشنطن. هذا ما دفع قادة الاتحاد الأوروبي إلى عقد قمة طارئة في لندن لبحث تداعيات الموقف الأمريكي وإمكانية تشكيل سياسة دفاعية أوروبية أكثر استقلالية.
احتمالية التضحية بزيلينسكي والإطاحة به
مع ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية على أوكرانيا، تبرز تساؤلات حول مستقبل زيلينسكي في السلطة. فبينما كان يُنظر إليه في السابق كرمز للمقاومة الأوكرانية، فإن التطورات الأخيرة قد تجعله عبئًا على القوى الغربية. في حال قررت الولايات المتحدة وأوروبا التوصل إلى تسوية مع روسيا، فقد يكون زيلينسكي العقبة الرئيسية أمام ذلك، مما يفتح الباب أمام سيناريو التضحية به أو الإطاحة به من قبل النخبة السياسية الأوكرانية، سواء عبر انتخابات مبكرة أو انقلاب داخلي.
الضغوط الاقتصادية والعسكرية المتزايدة، إلى جانب تغير الأولويات الأمريكية، تجعل زيلينسكي في موقف هش، حيث قد تجد كييف نفسها مضطرة للبحث عن قيادة جديدة أكثر مرونة في التعامل مع المتغيرات الدولية، بما في ذلك إمكانية التفاوض مع موسكو.
فخ السياسة الأمريكية المتغيرة
التحولات الأخيرة في السياسة الأمريكية، بدءًا من اللقاء المتوتر بين ترامب وزيلينسكي، مرورًا بدعوات الانسحاب من الناتو والأمم المتحدة، ووصولًا إلى تقليص الدعم لأوكرانيا، تؤكد أن زيلينسكي وقع في فخ السياسة الأمريكية المتغيرة. وبينما يجد نفسه وحيدًا في مواجهة روسيا، فإن مستقبله السياسي بات محل شك، خاصة إذا قررت القوى الغربية إعادة ترتيب الأوراق على حسابه .