يوسف أيوب
زرت سلطنة عمان أربع مرات، ولى فيها أصدقاء كثيرون، ومع كل زيارة أزداد إعجاباً وحباً لهذا البلد، شعبها الطيب والمحب للجميع، والمتسامح مع الغير مهما كان، والمضياف، والملتف حول السلطان قابوس بن سعيد، الذى يكن له العمانيون محبة صادقة تلمسها بمجرد أن تنطق باسمه أمام أحدهم، هم يحبونه عن صدق وليس تملقاً ولا خوفاً.
سلطنة عمان نموذج فى التسامح والحكمة أيضاً، فهى تنظر للأمور بعين أوسع، لا تتقيد بالمصالح الآنية، وإنما تبحث دوماً عن التوافق، ولنا معها أمثلة كثيرة، آخرها من ثورة 30 يونيو، وأقواها حينما رفضت قرار العرب بمقاطعة مصر عقب توقيع الرئيس الراحل محمد أنور السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل، وللسلطان قابوس كلمات مؤثرة عن مصر، يحفظها العمانيون ويرددونها من ورائه، فهو يقول «لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس فى بناء الكيان والصف العربى، وهى لم تتوان يوما فى التضحية من أجله والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وإنها لجديرة بكل تقدير».
كل الأدلة والبراهين تؤكد أن عمان، سلطانا وشعبا عاشقين لمصر وشعبها ربما لدرجة الجنون، وهو أمر ليس بغريب عليهم، ولم يكن يوماً مصطنعاً، بل مرتبط بعلاقة وترابط تاريخى، وتتشابه مصر وسلطنة عمان إلى حد كبير فى كل شىء، خاصة فى السياسة، فكلاهما داعمان لإحلال السلام والاستقرار إقليمياً ودولياً، ويرتبطان بعلاقات سياسية قوية، يظهر من التنسيق المستمر فى القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، وتقدر مصر دور السلطنة فى المنطقة، كما تقدر سلطنة عمان على كل المستويات الدور الذى تلعبه مصر فى حل الصراعات والنزاعات فى المنطقة، وتثق فى أن قوة مصر واستقرارها هما الركيزة لاستقرار الوطن العربى.
وتعزيز قدراته وتواجده، ومن هنا جاء الاستقبال العمانى لرئيس مصر، الرئيس عبدالفتاح السيسى، استقبالا يليق بالبلدين وتاريخهما ودورهما ورؤاهم المشتركة، وتطلعاتهم الثنائية لإحلال السلام فى ربوع المنطقة.
إذا نظرنا إلى السلطنة سنجد أنها الدولة التى تنعم بالهدوء وسط منطقة مضطربة، والسبب فى ذلك أنها منذ البداية تتبنى سياسة لا تحيد عنها أبداً، تقوم على الاحترام المتبادل مع كل الدول، وتقدر خصوصيات كل دولة وترفض أن تتخذ أى موقف يمكن أن يتسبب فى أن تكون السلطنة طرفاً فى معادلة «مع أو ضد»، لأنها تؤمن بمعادلة واحدة وهى الباب المفتوح أمام الجميع، لذلك كانت ولا تزال توافقية فى كل شىء، لا تعادى بل متصالحة مع الجميع.
قبل 47 عاماً وتحديداً فى الثامن من يوليو 1971 أجرت صحيفة الأهرام حواراً صحفياً مع السلطان قابوس، لخص خلاله سياسته، فقال «إننى تماما أبتعد عن سياسة المظاهر والأصداء الرنانة، ولا أسعى من وراء ما أعمل إلى خطف بريق، لا أسعى إلى قيام تشكيلات ومؤسسات صورية، وما أسهل تشكيلها، ولكننى أعمل على أن تقوم خطواتنا لأعمالنا على أسس واضحة حتى تكون لها الكفاءة والفاعلية المطلوبة، سياستنا الخارجية تتلخص فى نقطتين: عدم التدخل مطلقا فى شؤون الآخرين، والتعاون مع كل من يرغب- بصدق- التعاون معنا».
هذه هى السياسة والاستراتيجية التى رسخها السلطان قابوس، وهى ثابتة حتى الآن لم يحيد عنها، وهو ما يجيب عن السؤال الدائر فى الأوساط الدبلوماسية، لماذا بقيت السلطنة معصومة من الخلاف او التوترات التى كادت أن تعصف بدول كبرى فى المنطقة، والإجابة كانت حاضرة فى أفعال السلطنة التى لم تكن أبداً إلا مبادرة بالخير والتعاون، فهى دائماً تعمل كجسر للتواصل، ولا ننسى دورها فى تقريب الرؤى بين القوى الغربية وإيران إلى أن توصلوا إلى الاتفاق النووى، وحاولت وتحاول الآن التوصل إلى حلول سياسية ودبلوماسية للأزمة فى اليمن بعيداً عن الصراعات العسكرية التى تضر بالجميع.
ما تقوم به السلطنة ربما يكون مزعجاً للبعض، داخل الإقليم وخارجه، لكنه فى نفس الوقت مقدر ممن يفهمون طبيعة هذه السياسة الهادئة، ويدعمونها، وبالطبع فإن مصر من الداعمين للمنهج الذى تسير عليه عمان تحت حكم السلطان قابوس، والسبب فى ذلك أنه نفس المنهج الذى تريده مصر وتسير عليه، وهو ما أعلن عنه الرئيس السيسى مراراً وتكراراً، لا نريد مزيدا من الدمار فى المنطقة، بل التنمية الشاملة التى ينعم بها العرب جميعاً، فالدول العربية تعرضت للكثير ولا تحتمل أكثر من ذلك، وحان الوقت لأن يكون السلام والاستقرار والتنمية هو الثالوث المقدس الذى يحركنا جميعاً.
توافقت مصر والسلطنة، لأن ما بينهما كثير، فكلاهما يدرك قيمة الآخر، وفى نفس الوقت، يؤمنون بأن الاستقرار إذا عم المنطقة فسيأتى بالخير للجميع.