سمير السعداوي

1

 
«لاءات» ترامب
 
إذا كانت مضحكة تأكيدات المندوبة الأميركية إلى الأمم المتحدة نيكي هيلي بأن بلادها «تتعاطف» مع المتظاهرين في إيران، فإن قمة «السوريالية» في المقابل، اعتقاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه يمتلك قدرة على تحريك الشارع الإيراني، وبالعكس، ربما تكون تدخلاته أحد العوامل التي تخدم النظام هناك، تماماً كما بات الجمهوريون في أميركا يعتبرونه «أبرز حلفاء الديموقراطيين» في الانتخابات الاشتراعية المقبلة، بما يشكل من عبء على أصدقائه قبل الخصوم.
 
ربما تكون لدى ترامب مصلحة في بروز حدث عالمي يحول الأنظار عما يدور في كواليس واشنطن من جدل، مع صدور كتاب «فاير أند فيوري» (نار وغضب) للصحافي مايكل وولف الذي يركّز على الطباع الحادة للرئيس الأميركي، حتى بات يُعزى إلى ذلك الفضل في التقارب بين الكوريتين بعد حملته الشعواء على الشطر الشمالي، ما دفع الجنوبيين إلى تلقُّف مبادرة انفتاح من كيم جونغ اون، على رغم غرابة طبائعه هو الآخر، وذلك لتفادي السير على حافة هاوية وراء ترامب… الأكثر غرابة.
 
وفي بلد تحكمه المؤسسات أكثر من الأشخاص، لا يبدو الأميركيون قلقين من شكوك عزّزها الكتاب حول مدى رجاحة عقل رئيسهم، وإن بلغ الأمر حداً اضطّر معه وزير الخارجية ريكس تيلرسون إلى التدخُّل لتأكيد أنه لم يشكّك يوماً في الأهلية العقلية لـ «سيد البيت الأبيض»… مع اعتراف وتلميح بأنه «ليس كسائر الرؤساء» وأن «الأميركيين اختاروه لأنهم أرادوا التغيير»!
 
«الرئيس لا يحب القراءة أبداً وينعزل داخل غرفته ابتداء من الساعة السادسة والنصف ليتسمّر أمام ثلاثة أجهزة تلفزيون، ويقول المحيطون به إنه كالأطفال، لا بد من إرضائه سريعاً»… بعض من شهادات أوردها الكتاب عن غرابة أطوار الرئيس الأميركي، ومن بينها شهادة مستشاره «المخلوع» ستيف بانون الذي تبادل وإياه اتهامات بـ «الجنون».
 
لكن الأمر يزداد غرابة عندما ينقل وولف وبانون تسريبات مفادها أن أعضاء في فريق الرئيس، من بينهم نجله، تآمروا مع محامية روسية للتأثير في شكل غير نزيه في حملة منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، كذلك عندما تشير التسريبات إلى أن فريق ترامب لم يكن يعتقد بفوزه وأن جُلّ ما أراده هو إبرام بعض الصفقات بعد ترشُّحه للرئاسة.
 
أياً يكن الأمر، قد يمر بعض الوقت قبل أن يدرك الرئيس الأميركي أنّ تصدّره الأضواء طيلة الوقت لا يخدم مصلحته، وأن تغريداته اليومية على «تويتر» لا تفيد في تنفيذ سياسات الولايات المتحدة، بل قد تكون موضع ترحيب لأسباب مصلحية، من جانب وسائل الإعلام، إضافة إلى شركة «تويتر» ذاتها التي رفضت دعوات مستخدمين إلى إلغاء حساب ترامب، باعتبار أن وجوده المستمر على مواقع التواصل من شأنه تعريض الأمن القومي لبلاده إلى خطر.
 
لا شك في أن الاحتجاجات في إيران بدأت لأسباب مطلبية وأن ما يفعله ترامب ومعه هيلي يؤدي إلى «تسييسها» ويفقدها بذلك طبيعتها ويسهل وضع حد لها. وليس هناك تفسير منطقي لامتناع المسؤولين الأميركيين عن فهم تعاطف الشعوب حول العالم مع القضايا التي يناهضونها، ومناهضة الشعوب ذاتها للقضايا التي يتعاطفون معها، وكأن هناك علاقة حسابية سالبة بهذا المعنى، حتى أن الرأي العام في بلدانهم والغرب بات يتفاعل بالطريقة ذاتها مع سياسات واشنطن، والدليل موقف الغالبية من قضية حظر دخول أميركا على مواطني دول في المنطقة، وصولاً إلى الاصطفاف المذهل في الأمم المتحدة ضد ترامب في قضية القدس.
 
وبالمعنى ذاته، تصبح لاءات ترامب مقبولة عموماً، وتصبح تأكيدات هيلي مبالغات. وهكذا دواليك، ولا أحد يتعظ.

التعليقات معطلة.