جسر فوق «المانش»
لا أحد يعرف ما الذي يدفع وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى الإدلاء بآراء غريبة كان آخرها الأسبوع المنصرم، اقتراحه بناء جسر فوق «المانش» لتعزيز «الروابط» بين بلاده وفرنسا، علماً أنه أحد أبرز دعاة قطع العلاقات مع أوروبا في إطار «بريكزيت».
وزيرة الخارجية في حكومة الظل (المعارضة العمالية) إيميلي ثورنبيري سارعت إلى التعليق عبر «تويتر»، قائلة: «من هم هؤلاء المهرجون الذين يدعون أنهم يسيّرون شؤون بلادنا؟». تساؤل في محله، إذ كيف يستوي في عقل الوزير أنه بعدما كان أحد أشدّ الدعاة حماسة إلى «الطلاق» مع الاتحاد الأوروبي، يعود ليعتبر أن نفق «اليوروستار» الذي يمر تحت القناة الإنكليزية، «ليس كافياً» للربط بين الدولتين الجارتين؟
جونسون الذي سبق وأثار جدلاً بمواقف عدة، أحدثها وأكثرها حدة، استهزاؤه بقتلى الحرب في ليبيا، يبدو مولعاً بالأفكار التي لا تنتمي إلى الواقع بصلة، وعندما كان رئيساً لبلدية لندن، دعا إلى بناء مطار عند مصب نهر «تايمز» لتخفيف الازدحام في هيثرو، كما وضع خطة لإقامة حديقة على جسر في وسط لندن، الفكرة التي بددها خلفه صديق خان.
وتقوم فكرة جونسون على بناء جسر فوق القناة الإنكليزية، بين دوفر على الساحل الجنوبي للملكة المتحدة وكاليه في شمال فرنسا ويكون طوله 35 كيلومتراً. غير أن خبراء الشحن يتساءلون حول الفائدة منه. وكُتب على موقع غرفة الشحن البريطانية تعليق مفاده أن «بناء هيكل إسمنتي ضخم في وسط ممر شحن هو الأكثر ازدحاماً في العالم، قد ينطوي على بعض التحديات».
ويربط نفق المانش بين بريطانيا وفرنسا، ويبلغ طوله خمسين كيلومتراً وتعبره قطارات الركاب السريعة (يوروستار)، إضافة إلى نفق «يوروتانل» المخصص للسيارات وقطارات الشحن.
ثمة مشكلة يعكف الطرفان البريطاني والفرنسي على معالجتها وهي تدفق المهاجرين غير الشرعيين على النفق، رغبة في التسلل إلى المملكة المتحدة. وتحاول السلطات الفرنسية في شكل مستمر التصدي لطالبي اللجوء وتطردهم بانتظام من كاليه.
والقمة التي جمعت بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء تيريزا ماي في ساندهيرست قرب لندن الخميس وقدم جونسون اقتراحه على هامشها، كانت مخصصة للاتفاق على مزيد من الإجراءات لمكافحة الهجرة بنشر قوات مشتركة خصوصاً في الجانب الفرنسي من منطقة العبور.
وكتبت صحيفة «دايلي ميل» أن «فرنسا تطلب 45 مليون جنيه إضافية للتصدي للمهاجرين في كاليه وتُعيرنا في المقابل منسوجة بايو كترضية» لعرضها في بريطانيا، في إشارة إلى تحفة فنية تؤرخ لغزو إنكلترا من جانب دوق النورماندي وليم. وهذه الإعارة تندرج في إطار برنامج لتبادل تحف فنية بين البلدين. وستنقل المنسوجة إلى المملكة المتحدة في 2022.
وباستثناء الاتفاق على دعم عسكري بريطاني للقوة الفرنسية في منطقة الساحل بثلاث مروحيات «شينوك»، لم يتطرق الجانبان الفرنسي والبريطاني إلى مستقبل التعاون خصوصاً بعد «بريكزيت»، على رغم بروز مقار كبير من التكهنات في أوروبا أخيراً حول أماكن تراجع البريطانيين عن فكرة الطلاق معها.
والمستغرب فعلاً أن يكون بوريس جونسون تفادى أي تعليق على تلك التكهنات، التي انبرى وزير مكتب رئاسة الحكومة ديفيد ليدينغتون إلى تقديم توضيح حول وجهة نظر لندن حيالها، بقوله إن بريطانيا يمكن أن تنضم إلى «نموذج جديد» للاتحاد الأوروبي بعد جيل أو أكثر، مستبعداً عودة إلى الانضمام إلى الاتحاد في شكله الحالي. وعليه، يبدو أن على المتحمسين للتقارب الأوروبي، الاكتفاء بـ «جسر جونسون»… ووعوده.